السبت، 31 يوليو 2010

الأنعام .. ربع إن الله فالق .. الأية 106- 108

" اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين"
هو ليس كتابا لمصمصة الشفاه .. وليس تنزيلاً ليرجح كفة علي أخري في جدل فلسفي عقيم ..
وليس كتاباً شعرياً للتباكي .. وليس روايات واقاصيص للتندر ..
وليس مطلبه الرئيس هو الثواب القريب بقراءة الحروف ..
إنما مناطه الاتباع .. وغايته التدبر .. ومقصده التأثر  .. وإحالة الحياة نماطاً ربانياً موافقاً للفطرة ..
هو كتاب تغيير .. وتشكيل .. وحالة حياة .. ونظام تفكير .. وسوفت وير كامل لتشغيل الكيان البشري بأكمله .. ومعالجة الواقع الإنساني بعمومه ..
والمأمور الأول باتباعه هو النبي ذاته .. فتلك النبوة هي عبء ثقيل .. وتكليف شاق .. ليست تشريفاً ورفاهية وتسييداً ورياسة ..

الاتباع ... اشكالية العصر وكل عصر ... وجدالية المناوئين الدائمة .. ومناط الفتنة الرئيس ..
الاتباع ...
إن الوحي هو المصدر الرئيس للمعرفة .. ليس العقل ولا الحدس ولا الحس ولا ولا .. 
نعم كل هذه هي وسائل معرفية .. ولكننا نتحدث عن الوسيلة الرئيسية .. الوحي ..
فالوحي هو المصدر الذي لا تشوبه الأخطاء المعرفية التي لا تخلو منها وسيلة أخري .. COGNITIVE BIAS
العقل يخدع .. والحس يخدع .. والحدس يخدع .. والحلم وسيلة تقريبية لذاك المعني دون مزيد خوض فيه ..
أما الوحي فلا يخدَع ولا يُخدع ..
الوحي هو المكون النظيف للتصور المتكامل الشامل المتناسق عن الكون بأسره شهوده وغيبه .. 
والمجيب الثقة عن اشكالات الحياة .. وما قبلها .. وما بعدها .. والمخاطب الأعلم للنفس ودقائقها .. ما جل منها وما خفي ...

والاتباع هو مناط الوحي .. ليس الوحي اطروحات تقبل المناقشة .. وأوجه تحتمل التأويل .. ومعادلات تحتمل التجربة .. أو نظريات تحتمل الاستنباط ..
إنما هي منظومة حياة متناسقة لا تحتمل سوي الاتباع ,,

ويؤمر النبي الكريم بالاتباع .. لأن ليس الاتباع انتقاصاً من قدر التابع ... وإنما الاتباع صيانة ..
فإن اتباع النبي .. هو اتباع لتابع للوحي .. فهو اتباع للوحي بطرائقه ..
اتباع للوحي تطبيقاً وترجمة فعلية علي الحياة ..
والخير كل الخير في الأتباع  ,, وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه :" اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم "
وقد تعلمنا .. وخبرنا الحياة فلم نجد أسلم وأكرم .. ولا أحكم .. من التلقي ..
التلقي الكامل عن الله ونبيه دون تأويل أو لي لأعناق النصوص .. أو سفسطة فارغة ..
وكما قال الجيند في أواخر حياته بعدما سار في كل طرائق الفلسفة والتصوف : "لم أجد خيراً من دين العجائز"

وهنا نلقي شبهة للمناوئين والمعارضين للاتباع .. أو مايسمونها بالأصولية والسلفية ..
فيطلقون علي أهل الحديث .. وأهل الأأثر .. وأهل الاتباع دعاوي الظلامية والتخلف .. ويرون أن الاتباع تأخر ورجعية .. والتفلسف والتفيهق تقدم ..

ويرون أنفسهم الإصلاحيين والتقدميين ...؟؟
إن الله يقيم أسس فكرية في قضية التقدم والتأخر .. وأنظمة تفكير لتعطينا الإدراك أنه كلما مرت ألازمان لم يزدد الإنسان إلا ضياعاً وبعداً .. وأن الخيرية في الرعيل الأول ومن تبعهم بإحسان ..
فيقول الله علي الماضي تقدم .. وعلي المستقبل تأخرؤ .. ذاك في القرآن كله ..
ليغفر الله لك من ذنبك ما تقدم .. اي ما سبق ..
وما تأخر .. أي ما هو قادم ..
وهذا درب من التمثيل لا الحصر..
اي أنه في موازين القرآن .. مصطلح التقدمية يطلق علي العودة إلي الأصول .. إلي السلف الأصيل ورعيل الدعوة الأول ..
والتأخرية هي النظرة التائهة إلي مستقبل بلا جور .. مستقبل هش .. مضطرب تتلاعب به الريح ..

إننا اتباعيون .. تقدميون .. نفخر بـأن متبوعينا هم النبي وصحبه .. ونبرأ من مستحدثات العصور "المتأخرة" .. ونبرأ من تفيهق المتأولين .. وسفسطات الإصلاحيين .. وأدعياء التجديد والترقيع ..
والاتباع مرتبط بالتوحيد والإجلال .. فلا تري خيرفي عقلك علي كتاب ربك .. ولا تري قصوراً في أفهان النبي وصحابته لتعيرهم فهمك المستنير .. لذا ارتبط بشهادة التوحيد .. لا إله إلا هو ....
.......................................
وأعرض عن المشركين 
هو العلاج الأجمل بعد البيان .. والحل الأفضل بعد تبليغ دعوة الله ..
اعراض جميل .. فلا مخالطة حتي لا يلتاث التصور الإيماني بأتربة الشرك ...  وخصوصاً في بداياته تكوينه ..
فلا المنطلق واحد .. ولا المقصد واحد ..
فلا يكون الطريق واحد ..
حتي الطريق الدنيوي البحت .. طريق الغذاء والشراب والعمل والمسكن .. وأنماط الحياة العادية ذاتها إنما هي متباينة كل البون بين مؤمن ومشرك ..
هي حماية بالإعراض لصرح الإيمان .. وحلاوة التصورالأبيض من هوام التصورات الظلامية ..
.....................................
"ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل"
نعم .. فلا يحدث شيء في كون الله .. إلأا بمشيئة الله ..
ولا يتصرف متصرف في ملكوته إلا بإذنه ..
وهنا اشكالية كثيرة التردد "أيرضي الله الشرك والكفر .. وإن لم يكن يحدث إلا بمشيئته فكيف يعاقب المشركين"
ورغم كوننا نتورع عن الخوض في الإشكالات الفلسفية الفارغة التي لا ينبني عليها عمل .. ونتوقف عن الخوض في القدر .. ونمسك عن الغيب إلا ما كان عندنا منه وحي ثابت بالقرآن أو السنة .. إلا أننا نقول في تلك المسألة التي قتله علماء السلف بحثاً وجواباً ..
أن هناك فارق بين إرادة كونية وإرادة شرعية .. وبين أن يحب الله شيئاً وأن يريد شيئاً ..
فإرادة الله الكونية هي اثبات الإرادة الحرة للمشرك في شركه ..
وإن لم يكن ربنا يحب أي يعصي .. إلا أنه لا يعصي رغماً عنه .. ولا يحدث في كونه إلا ما يشاء ,, تفريقاً بين المشيئة وبين اللحب والرضا ..

وفي هذا البيان الرباني ربتة علي القلب النبوي المتأجج حرقة علي الضلال .. والمشركين ..وأصحاب النار .. فهو أعلم خلق الله بالله ووعيده .. وهو المتكلف عناء الدعوة .. وحمل البلاغ ..
نعم الأمر منوط بالمشيئة .. وعملك الرئيس هو التبليغ .. البلاغ هو وظيفتك وهو محط المسئولية ,, وما سوي ذلك ليس لك منه شيء ..
وهو كذلك لكل اصحاب الدعوات ..
وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل
الوظيفة هي التبيلغ .. ولا نظرة إلي الأثر خيراً كان أو شراً .. فليس من ذاك الأمر لك شيء ..
فرب مبلغ كذبه أهله .. نال من الثواب ما لم ينل خمسه مبلغ صدقه قومه ففرح بتصديقهم وأعجب بعمله ونسبه لنفسه ..
بل ربما لم يلتقيا في جنة ..
فاستعمال الله للعبد .. استعمال تبليغ لا استعمال أثر ونجاح .. إن أراد الله نجاحاً فليكن ما أراد .. ولا يري الإنسان لنفسه حظاً منه ..وإن لم يرد فهو وخلقه .. وهو العليم الخبير .. وهو أعلم بشئون كونه .ز يصرفه كما يشاء ..
تلك اعتقادات اصحاب الدعوات التي تربت علي قلوبهم في ظلمة التكذيب .. وتخفف عنهم ألام الابتلاء .. وتهمس في أذانهم بأنشودة تحقق الثواب والجزاء بمنأي عن الاثر والنتائج .. فلا يكونون أبداً ضحية لليأس .. ولا تمنحي الاستمرارية ولتبقي دعوة الله برجالها لا يرحل واحداً بالموت إلا أبدله الله ألافاً علي النهج .. ولا يسقط واحداً مفتوناً بالهوي .. إلا قام غيره عشرات .. خير منه ..

والشرف كل الشرف أن يمنحك الله وسام الاستعمال في دعوته في أي مكان كان .. في المقدمة .. أو حتي في سقيا المياه .. وحراسة الأحذية .. فالأمر أمر استعمال .. لا تشريف ومكانة عند الناس ..
وكما قال عمر رضي الله عنه في أنفاسه الأخيرة "لو كان سالم حياً لوليته الأمر من بعدي" وسالم هذا كان عبداً مملوكاً لأبي حذيفة من حملة كتاب الله ..
ورب ساق للماء مجهول لا يعرفه أحد .. كان معلوماً مفضلاً في أهل السماء..  من قائد القادة ..
إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي .. 

يتبع ......

الخميس، 29 يوليو 2010

سورة الأنعام .. ربع إن الله فالق الحب .. من الآية 102 -106

"ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو علي كل شيء وكيل "
رغم كونه في الآية السابقة قد قال وخلق كل شيء .. فقد كرر الأمر بصيغة الفاعل هنا .. لأن في الآية السابقة كان سياق فعل الخلق لدحض فكرة خرق البنين له سبحانه ..
أما في هذه الىية فهي آية التجميع .. فبعد سوق الآيات .. يأتي التعريف النهائي .. والحكم المتبوع ..
ذلكم الله ربكم .. اثبات للربوبية بالآيات السابقة ..
لا إله إلا هو فاعبدوه .. اثبات للألوهية منطلقاً من ثبوت الربوبية .. فاثبات الخلق له سبحانه .. يستتبع ذلك التوجه له وحده بخالص العبادة والتوحيد ..
وهو علي كل شيء وكيل .. روعة الجمع بين الخلق والوكالة ..
وكأنه يضع البادج النهائي علي المنتج المصنوع .. made by allah .. guranteed by allah
الله الصانع .. والله الضامن
اثبات للربوبية ..  يستتبعه اثبات ألوهية .ز يستتبعه اثبات الوكالة وضمان العناية ..

"لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير "
اللطيف الخبير .. ملائمة رائعة للآية ..
فقد لطف سبحانه عن الأابصار فلم تدركه ..
وكان خبير .. خبرها .. فأدركها ..
والإدراك إحاطة علم .. فكيف بالمحدود الفاني يحيط بالمطلق اللامتناهي ...

ولكن الآية اللاحقة تتمم المعني .. وتعطي للمحدود الفاني البشري لمحة حانية ..
"قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ"
يجريها المولي وكأنها علي لسان النبي تساق في القرآن ..
أيها المحدود الفاني .. إن عجز عقلك وبصرك عن الإحاطة بالمولي عز وجل .. فلم تزل لك القدرة وله المنة في الإدراك بصائره ..
فإن لم يدركه بصرك .. فلك إدراك بصائره ..
فهلا أبصرت البصائر .. تصبيراً لك عن لطفه عن بصرك ..
هلا رأيته في كل سكنة وحركة .. وكل ظاهرة آية ..
إن ابصرت فلنفسك .. متعة .. ولذة .. وخير .. وزكاة .. وطهر .. وصفاء .. وسلام ..
وإن عميت .. فعلي نفسك .. لعنة .. وظلام ... وضيق .. وضياع .. وخواء ..

"وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون " 
هكذا آيات الله .. من القوة .. والإعجاز أنها لا تقابل بسلبية قط . لا يمكن لسامعها أن يتلقاها ثم يمضي كأن شيئاً لم يكن ..
هي للذين يؤمنون .. إيماناً وهدي وموعظة .. وشفاء .
وللملعونين .. فتنة .. ومزيداً من الظلام ..هكذا الإعجاز التأثيري للقرآن ..
مزيداً من الصفاء .. أو مزيداً من الظلام ..
فآيات الله تداعب أوتاراً خفية في النفس .. فهو خالقها ,, ويعلم وحده تردداتها .. تجبرها علي الإذعان والسير نحو النور ..
فإن وافقت نفساً محايدة .. حائرة تبحث عن الطريق .ز أشارت لها إليه .. لذا هي هدي ..
فهي تهدي إلي الحق .. الذي هو آيات الله نفسها ..
فمن اعجاز القرآن أنه يهدي بنفسه إلي نفسه ..
فالأولي هداية إلي الطريق ..
وإن وافقت نفساً مهتدية مؤمنة .. أعطتها دفعة داخلية ,, وشحنتها بمزيد من الطاقة الأنطلاقية
فهي هداية علي الطريق ...

وإن صادفت نفساً تجردت من نفحة السماء .. والتصقت بالأرض ,, وتوحدت بالظلام ..
داعبت بقايا الضمير النوراني فيها ..
لتجبرها بصيحات الروح علي مزيد من مقاومة الخير داخلها .. علي مزيد من كبت النور ..
علي جدال .. وتكذيب .. وهروب .. وفرار .. من صيحات الخير .. ودفقات الطاقة البيضاء التي تسطع داخلها  ...
كميكروب يهرب من النظافة .. تعدو تلك النفوس بعيداً ..
وهنا مثال من عدوها بالجدال والتكذيب ..
وليقولوا درست ..
ودرست تلك علي قراءتين ..
قراءة مصحف عثمان الذي بين يدينا .. بعني تعلمت وقرأت ..
اي أنهم يتهمونه لما رأوا من الآيات انه قد تعلم علوماُ عجائبية .. أو قرأ واطلع وتثقف علي مافاتهم ..لذا قدر علي الأتيان بمثل هذا القرآن ..
وكأنهم يعترفون ضمناً بمصداقيوة الكتاب .. وهول أثره .. وعظم قضاياه .. وجل أطروحاته ..
ولكنهم يراوغون بإدعائهم علم صاحبه واستغلاله لجهلهم وبداوتهم واطلاعه علي ما أراد أن يغوي ابصارهم به ..
ولم تزل تلك الدعوات إلي الآن تتهم النبي الذي أكد ربه علي أميته .. بالتعلم وبنقل علوم حضارات قديمة .. والأخذ من الكتب والعقائد السابقة .. 
وحاشاه ..
وما كان عنده ميكرسكوباً ليطلع علي الظلمات الثلاث .. وعلقتها .. ومضغتها .. وغيض الأأرحام وزيادتها ..
وما كان يمكلك تليسكوباً ليري حبك السماء .. ومواقع النجوم ..
وما كان فلكياً عبقرياً ليري المدارات الدائرية لأفلاك السماء .. ليضعها في جملة معجزة تقرأ من اليمين ومن الشمال بنفس الطريقة
كل في فلك .. ك ل ف ي ف ل ك ...

يسبحون ..
ليوحي بدائرية تلك المدارات ...
ما يمكن لبشر أن يفعلها .؟.

ودرست أيضاً تقرأ في قراءة ابن مسعود ... بفتح جميع حروفه بمعني تقادمت وانمحت ..
وهي أيضاً شبهة الظلاميين .. 

تلك الأيات والأطروحات الإسلامية لا توافق التوجهات التقدمية .. وعصور الفضاء وتفتيت الذرة .. هي اطروحات قديمة .. 
يدعون أن الدين قد استنفد اغراضه .. 
وهاهو الدين بتجدده .. يطرح شبهاتهم المتجددة .. ويدحضها بتجدد .... 
ليثبت أنه باق .. من نفس الباب الذي تأتيه منه الشبهة ..
فتلك الشبهة باستنفاد اغراض الدين هي شبهة جديدة ..
ولكنه قد ذكرها ..
ليوحي أن الشبهة ذاتها تتناقض مع نفسها ...
فحين يخرج ذوي الياقات والكرافاتات ليقولون هذا الكلام .. يرونه ابداعاً وتقدمية .. 
نأتي نحن بالآية القديمة المتجددة .. منذ أكثر من ألف عام .. تتحدث عن شبهتهم الجديدة .. 
وليقولوا درست .. 

نعم إن أحد غايات آيات الله .. مزيداً من النور للسائرين علي النور .. ونوراًُ للحائرين .. وفتنة للظلاميين ..
نضحك حينما نسمعهم يقولونها ...
لأن الله قد أنزل الآيات ليقولونها .. وقال أنهم يقولونها ..
فحين يقولونها ..
نقول نحن .. صدق الله .. وصدقتموه بتكذيبكم ..

يتبع