الاثنين، 9 أغسطس 2010

الأعراف .. ربع قال الملأ .. اللآيات 94- 95

ما كان لغير وجه الله يدفن ................

" وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون "
هو النبي يأتي ليقيم التصور القويم ... ويشيد سبل ادراك مغايرة .. ويصطب سوفت وير عقلي مختلف .. يجعل ادراك الواقع ليس كما كان من قبل .. يجعلك تري ما لا يراه الآخرون ..
تلمح في عمق المآساة .. بصيص الأنوار .. وتستشف الغايات المستترة وراء أقنعة البؤس المؤقت ..
الارتماء أمام العتبة القدسية ... والالتجاء إلي كنف الرحمن .. ورفع رايات الضراعة .. غاية خافتة وراء البلاء ..
تحتاج تربية نبوية لتستطيع التقاطها ..

الغاية .. التضرع .. الضراعة ..
التضرع .. اشتقاق جميل من الضرع .. وهو الثدي .. كطفل حائر لا يقوي علي الطلب .. ولا يتقن السعي .. ولا يعرف فنون الكلام .. ولا يدري من الاشتغاثة سوي نبرة بكاء أما الضرع ..
يرتمي للضرع .. الذي يمثل له الحياة .. فهو الطعام والشراب والسكن .. هكذا الضرع للطفل .. حاجات الكون بأسره ..

وهكذا ارتماء الضريع .. علي جنبات المناجاة ..  لايري خلاصاً في سوي الكنف الرباني .. ولايلمح نجاة في غير المناجاة ..

وهكذا أزيلت تاء .. يتضرعون ..  وادغمت في الضاد ..
وهكذا تثير في النفس صورة الضرع .. كتقريب للحمل المعنوي للضراعة الحقيقية ..
وايحاء تكنيكي صوتي بثقل الضاد وقوتها النغمية عن التاء إلي عمق التضرع .. وشدته .. وطوله ..  أيضاً تحقيقاً لمطلوبه المعنوي ...

سأل أحدهم الله أن يرفع عنه البلاء .. فألهمه الله : "علمك البلاء الالتجاء .. فلا يرفع إلا حين يصير اللجوء لك عادة "
والفارق بين الالتجاء .. واللجوء .. أن الإلتجاء اضطراري يحمله البلاء .. واللجوء اختياري يحمله الارتماء الإرادي في كنف القدرة ..

فالبلاء يعلم الإلتجاء .. والإلتجاء يعلم اللجوء .. 

وكان من دعاء بعض الصالحين "اللهم اجعلنا عبيد احسان ولا تجعلنا عبيد ابتلاء "

والبلاء صور وأنواع .. حسب توافقات نفس الغافل ... وحسب متطلبات الإفاقة ..
فأحياناً تأخذنا الغفلة بعيداً .. ونتناسي حقيقة وجودنا كعبيد .. ونكون بفضل المنة ممن أرادهم الله لنفسه .. فيبعث إلينا برسالات الإفاقة .. تتفاوت درجات شدتها .. علي سلم تدريجي .. 
فمنا من يحتاج إلي مرض وسقم ليلجأ إلي الله .. ومنهم من يزيده المرض سخطاً ويكون عليه فتنة ..
ومنا من يحتاج إلي خلل في راحة البال .. وانسجامية السكون .. والطمأنينة .. فيعرف حينها القدر الحقيقي للدنيا .. فيلجأ ..

فهناك بلاءات الكيان الإنساني الداخلي .. البأساء ..
وهناك بلااءات الخارج المادية والموقفية .. الضراء ..


والغاية النهائية التضرع ..
فابشر يا صاحب البلاءات .. فربما كنت عنده عزيزأً .. فلم تهن عليه ولم يتركك لنفسك والشيطان ..
 وكأنه يرغمك بالبلاء علي العودة ..
وكأنه يحملك إلي الجنة رغماً عنه .. كطفل أحمق يهرب من نظافة الاستحمام ..

ألا تري في البلاء عطفاً ..؟؟

"ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتي عفوا وقالوا قد مس ءاباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون "
لم يزل التشكيل الرباني للتصور ..وتغيير النظرة لدقائق الحياة .. يتواصل .. 
وهنا يضع المولي فارق بين التصورين ..
التصور الإيماني الأبيض .. الذي يري في البلاءات رحمة .. واضطرار إلي الضراعة .. 
ثم يري في السراء ابتلاءاً بالشكر .. وجائزة للصبر .. ونفحة من نفحات التأييد .. 

والتصور الظلامي المتوارث .. الذي لايري في البأساء والسراء إلا قوانين عمياء للزمن .. ونمط عشوائي للحياة .. 
وكما يقولون ..
bad things happen ... and good things happen 
هكذا .. الأمر يحدث .. وقد حدث للأقدمين وسيظل يحدث .. 
كما يقول النبي فيهم "كالحمار لا يدري فيم عقلوه ولا فيم أرسلوه "
لا يعلمون الحكمة في ابتلاءات تمر بهم .. ولا يقرآون الرسائل في المواقف الحياتية .. ويتعامون عن المغزي من التقديرات الربانية ..
هكذا هي الكيانات الخربة .. التي تجردت من التصور الإيماني .. ولم تصطبغ حياتها .. ونظرتها الكونية بصبغة الله والنبوة ..

وهكذا نحن أحياناً بعد رفع البلاء .. نقول "قد ذهب السيئات عني " 
نعود للاسترسال في الغي .. وكأننا كالبهائم لا نسير علي طريق الخير إلا بكرباج البلاء ..

عفوا : لها تفسيران .. العفو من الكثرة كما يقول ابن كثير .. بمعني أنهم حين تكاثروا وانفتحت عليهم السراء .. وابواب الراحة والرفاهية .. تناسوا قديم ضراعاتهم .. وشدة البلاءات .. واغتروا بحلم الله ثانية .. وعادوا يؤولون قديم البلاء وقديم عهودهم بالتقوي .. إلي قانون الحياة .. وطبيعة الدينا المتقلبة ..
هو التلاهي بالكثرة وانفتاح الأبواب ..
والتفسير الثاني : بمعني العفو .. اي النسيان .. وكأن شيئاً لم يحدث .. هو التناسي ..
كما في عفا الله عما سلف ..

وحقاً الأمر لا يتجاوز احدي المعنيين .. هكذا نحن بعد البلاءات بين التناسي .. والتلاهي ...
  
فأخناهم بغتة وهم لا يشعرون ..
وفي نقطة ما علي صفحة الزمان .. تتلاشي أرصدة الخير .. ويستفرغ البشر فرصهم للعودة .. ويصل عداد ابتلاءات الإفاقة إلي نهايته ..
ولا عودة .
فلم يبق إلا الأشد ..
الأخذ بغتة ..

وهكذا هو الأخذ الرباني .. قاصم .. صارم .. ومن طبيعته .. أنه يأتي فجأة ..
في قمة النجاح .. وأوج السطوة .. وعلي عروش السيطرة .. ومن اللاشيء ..
ينزل العذاب ,,
دون شعور بمقدماته .. ودون تنبؤ بنزوله .. ودون ارهاصات لقدومه .. يأتي .. يخرج من اللاشيء .. ليغير كل شيء ..
حيث لا سبيل للعودة ..
ولا تنفع هنا الضراعة ..

يتبع ......

الجمعة، 6 أغسطس 2010

الأعراف .. الربع الأول.. أية 1 -3

"المص . كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به  وذكري للمؤمنين "
الحروف المقطعة في أوائل السور .. قتلت بحثاً .. وخرجت نظرات لتأويلها وتفسيرها .. لا محل لذكرها هنا ..
إنما ما نود الإشارة إليه .. أن كل ما وصل إليه العلم عن النفس البشري لا شيء علي الإطلاق ..
وخصوصيات النفس .. تنكشف في ظواهر وظواهر ليس للعلماء حظاً منها سوي التامل .. والتناسي ..
إن تلكم النفوس عوالم ومجاهيل .. وإمكانات هائلة .. وحواس تفوق السبعة العلمية المشهورة ..
حواس روحية عديدة.. لا سبيل لإدراكها .ز أو قياسها .. ولكنها هي المفسر الوحيد لمستغلقات الظواهر .. وعجائبيات الكون البشري ..
والله خالق تلكم النفوس .. أودعها قوانين وأسرار كما أودع كونه الخارجي .. أسراراً لا تقل اعجازاً واتساعاً عن المجرات والحبك السماوية .. وترددات الذرات والإلكترونات .. وعوالم الكواركات والمجالات والموجات ..
النفوس تحوي ثقوبها السوداء حيث الزمن يساوي صفر .. ومجراتها العملاقة حيث الزمن نسبي لا محدد .. وكويكاباتها المتصادمة حيث الأضطراب .. ومجالاتها الموجية حيث السكون والهارمونيا والتجانس النغمي ..
والله وحده يعلم كيف يخاطب تلك الأوتار الخفية .. وكيف يبعث بترددات نغمية حرفية ملائمة لما يريد تشغيله من سواكنها .. وما يردي اطفاؤه من شواغلها ..
فلا عجب أن نجد التجويد القرآني .. وعلم التلاوة .. بإعجازه النغمي .. ومساحات قراءاته الشاسعه .. التي لا تكتفي بمخاطبة النفس بالسورة .. والمقطوعة الحرفية .ز إنما تضفي إليها نغمة صوتية .. ورنة التجويد المقننة .. لتلعب علي أوتار النفس الخفية .. لتجعلها أكثر ملائمة لوقوع التأثير المعنوي المرجو من المقطوعة اللفظية ..

ألست حيناً تسمع مارشاً عسكرياً موسيقياً يملؤك حماسة .. أو مقطوعة ناي تملؤك حنيناً .. أو مقطوعة كمان أوبيانو تبعث فيك شوق لجلسة حب ..
ما هي إلا نغمات .. ترددات صوتية .. 
وهكذا التجويد .. والقراءات .. نغمات وترددات صوتية .. لها من الإعجاز النغمي أنه بتطبيقها الكامل المتأمل المرهف من حواس الروح .. يضاعف التـأثير اللفظي للقرآن ..

لذا فإن عجزت الأفهام عن التقاط المعني في ألف لام ميم صاد .. فقد حدث تأثير ما .. ربما غير مدرك عقلياً في مكان ما في الداخل .. وتفتحت من النفس مغاليق ما .. وانغلقت منها أبواب ما .. كل ذاك بضمان الصانع ؟
فإن للقرآن تأثيراً يجاوز التأثير اللفظي بكثير .. ألم تري ربك لا يأتي بإحدي تلك الحروف المقطعة حتي يقرن بينها وبين الحديث عن نعمة التنزيل .. وسطوة الكتاب وهيمنته علي النفوس والدساتير ..

"كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكري للمؤمنين"
فضل الأفضال .. ونعمة الأنعام .. أن يتفضل ربنا بانتشالنا من هوة الحيرة .. ويرسم لنا بنفسه خطوط العمل .. ومناهج التصور ..
أن يستخدم مطلق القدرة والجبروت اللغة .. ويحيلها كتاباً وعوالم اتصال بين السماء والأرض ..
أن يربط الأرض بالسماء .. برابطة أرضسماوية عجيبة . لغة الأرض .. وكلام السماء ..

إن بين كتابات الأرض بأسرها .. كتاب وحيد مؤلفه .. لا أرضي .. لا بشري .. لا جني ..
إنما هو مطلق القدرة .. خالق الأرضين والسماوات ..
فبعدما أنزل الله من علياءه كتاباً ميسراً بين ايدينا نقرؤه .. أصبحت القراءة لغيره والاستماع لسواه .. والخوض في ما هو دونه درباً من الصفاقة ..
بل أصبحت أحاديث الناس ... بغير تلكم الكلمات التي رفع الله شأنها بأن جعلها قواماً لكلامه وقوالب لحمل معاني تنزيله ... وأوعية لنقل صبغته .. اصبحت أحاديث القوم الخارجة عن نطاقها درباً من الحماقات ..

أصبح الإلتفات إلي اي مكون تصوري أو عقائدي آخر .. والتلقي من أي وسيلة عداه .. درباً من الطيش والنزق .. والعفن النفسي ..

وأصبحت طرق عرض التصورات والاعتقادات .. وأنماط الإحتكام .. ومعايير القياس ... علي غير ما أورده .. نوعاً من السفسطة واللاجدوي .........

ولكن واهاً للإنسان العصري الذي اصبح يتبرأ من كلام الأعلي .. فيواريه كأهل الكتاب القدامي .. ويكتمه .. بل ويخجل أحياناً من ذكر الحكم الرباني الواضح في قضية مطروحة .. ويحمد الله علي أن أحدهم لم يفتش عنه .. 
واهاًً للحرج المتصاعد نتيجة اختلال المعايير الحقيقية للحكم .. نتيجة المعايير المعلبة .. وأنماط التفكير المقولبة والمستوردة .. والتي أصبحت هي التي يحاكم إليها القرآن .. لا أن تحاكم هي إلي القرآن كما كان مفترضاً ..
أصبح القرآن يستدل عليه .ز وتحشد له الأدلة .. وكأنه هو المتهم .. 

لا أن يستدل به .. وتحشد أدلة موافقته .. لأنه هو الحاكم .. والمعيار .. والمقياس المفترض ..

هذا القرآن الذي جاء ليرفعنا .. ولكنه جاء بإمكانية اخري أن يكون علينا لعنة .. وسبباً في الشقاء إن تركناه وراءنا ظهرياً .. وتركنا العمل به .. والإحتكام إليه ..
إننا أمة لم يرفعها سوي القرآن .. ولن ينفعها سواه .. وحينما تجنبه مكانه الرئيسي كقائد .. ومهيمن علي الحياة كاملة .. وتسعي نحو وسائل أخري للحكم والمواكبة .. لابد لها أن تسقط كل يوما أكثر وأكثر .,.
فذاك القرآن ليس منزلاً ليشارك ... أو لينتقي منه .. أو ليعطي نصف التوجه .. أو يكون "أحد" مصادر التلقي والتشريع ..
إنما جاء مهيمناً .. متفرداً .. محمولاً علي الجملة .. مصدر لا رئيسي .. وإنما أوحد ... للتشريع والتلقي ..
"علي اعتبار أن السنة النبوية إنما هي ترجمة واقعية لمنهج القرآن فهي تشاركه المنزلة لأنها ليست سوي وحياً فعلياً "

القرآن للجميع .. ذاك الشعار الرباني .. 
القرآن إنذار للمخالف .. وذكري للموافق .. وموعظة للغافل .. وشفاء للمريض .. وهدي للحائر .. وبركة للطالب .. وجهاد للعدو ..

مناطه ......................... "الاتباع الكامل الشامل المذعن بلا تأويل ولا تفيهق "

"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون"
الدين تخلية وتحلية .. أمر ونهي .. مطلوبات .. تعقب بمنهيات لصون تلك المطلوبات عن الملوثات ,.,.
فليس المطلوب اتباع القرآن فقط .. إنما الإلتفات الكامل عن كل ماسواه .. والتبرأ من كل ما عداه وما عاداه .. والاسكتفاء والاستغناء به عن كل تصور آخر .. وكل حكم وضعي .. وكل شطحة بشرية .. 


فليست الولاية إلا له .. وللمتكلم الجليل به ..
فليس أكرم من صاحبه .. وليس أحكم من منزله .. وليس أعلم من المتكلم به .
إذن فليس أكرم ولا أحكم ولا أعلم من القرآن .. بكرامة وحكمة وعلم المنزل سبحانه ..

ولكن هيهات الذكري .. هيهات التفكر .ز هيهات المقارنة الحقيقية .. والارتماء العملي بين دفتي القرآن .. قليلاً ما تذكرون ..
القرآن ذكري للذكري .ز وهدي للهدي ..
فهو يذكر بنفسه .. ويهدي بنفسه غلي الطريق المستقيم الذي ليس في النهاية سوي القرآن ذاته.. فهو يهدي بنفسه إلي نفسه ..

والقرآن معجزة الإسلام .. ومعجزة النبي محمد فلنتأمل قليلاً في تلك الحقيقة .. لنقارن بينه وبين غيره من معجزات الأنبياء :
معجزات الأنبياء كانت خوارق كونية تضفي علي شيء ارضي .. فتجعل العصا حية ... وتشق بها البحار .. وتفعل بها الأعاجيب .. والقرآن من ناحية هو تنزيل سماوي كامل .. يصنع بلغة العرب "الأرضيين " ويحيل اللفظ كينونة ساحرة .. معجزة تأثيرية تصنع الأأعاجيب.. فمن الحماقة أن نظن أن القرآن أقل قدرة من عصا موسي أو من شفاءات عيسي .. 
إنما تعطلت قدراته لفساد الحامل .. ولاعوجاج القابل .. أما هو فمعجزة المعجزات .. لا أستغرب أبداً قدراته الشفائية .. والخارقة لقوانين الأرض .. وكرامته للحاملين الأنقياء .. القارين بالمنة علي تشغيل معطلات قدراته ..

ثانياً : أن كل معجزة من معجزات الأنبياء كانت تأتي لتدهش السامعين .. فتدلهم بإعجازها إلي المنهج الذي جاء به النبي .. أي أنها وسيللة خادمة للمنهج .. فعصا موسي يبهر بها السحرة فيؤمنوا بنبوة موسي ,الوهية رب العالمين .ز ثم تسير لهم إلي التوراة ليتبعوها .. 
أما القرآن فهو المعجزة وهو ذات المنهج .. فهو معجزة تدهش السامع .. لتشير إلي المنهج الذي هو ذات المعجزة .. اي يشير بنفسه غلي نفسه .. يهدي بنفسه غلي نفسه كما قلنا ..

ثالثاُ : أن المعجزات كانت خاصة بالأنبياء أنفسهم .. لا تورث .. وتتعطل مع سواهم .. دعماً ربانياً للنبوة ذاتها .. أما القرآن فقد تشارك فيه التابع والمتبوع .. والنبي وأمته .. فهو كما قيل فيه "وإنه لذكر لك ولقومك" .. أخذته الأأمة في حياته .. وورثته بعده .. بكل إمكاناته اللامتنهاية .. لم يبق إلا أن تتبعه حق الأتباع وتعطيه نفسها كاملة لعله يعطيها بعضه .ز ينفتح عليها جزء من اسراره .......

يتبع  

الاثنين، 2 أغسطس 2010

الأنعام .. ربع ولو أننا نزلنا .. الآية 112- 114

"وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلي بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون"
إن هؤلاء المناوئين .. والمعادين .. والمتربصين .. ليسوا بخارجين عن التقدير الرباني .. ليسوا مارقين عن المشيئة .. فليس في الكون عن المشيئة تمرد قط ..
وإن خفيت الغايات .. وتوارت الحكمة .. لكن تبقي كل صغيرة وكبيرة .. بيضاء أو سوداء بالمعيار البشري القاصر .. كل شيء هو نوع من الصياغة الربانية .. والإخراج العام لحركة الكون .. كما يريدها هو ..
وبمضي الوقت قد تنكشف مستغلقات الحكمة .. وتسطع أنوار الحقيقة .. ليظهر غائية ما قد تواري عن الإدراك البشري العاجز فظنه عشوائياً صدفياً .. أو حتي ظنه شراً من نوع ما ..

وليست النبوة .. والوحي .. واتصال السماء بالأرض ..ورسم النور خطة الكيانات الأرضية المتخبطة .. ليس ذاك بالحدث العادي علي وجه التاريخ .. ولا يمكن إلا أن يكون صولة غير اعتيادية .. وانعطاف حاد في مسار الحياة ..
لذا الإعتيادية غير مطروحة في الصياغة التاريخية للنبوة .. بمعني أنه لا يمكن أن يأتي نبي .. ليقابل بالتصديق العام .. أو تمر دعوته بتصديق البعض وسلبية المعارضين ..
لم نسمع عن نبي صدقه بعض قومه .. ولم يطرد .. ولم يحارب .. ولم يدافع .. ولم يعذب هو ومن معه ..
لم نسمع عن نبوة بلا بطولة .. وفداء .. وصراع ..
فالنبوة تجلي للصراع ... بين قوي النور والظلام .. دعم سماوي لقوي النور في النفس والأرض علي قوي الظلام .. فكيف تترك هكذا بلا صراع ..

ولعظمة الطرح النبوي .. ولأن باعثه ومولاه ليس بالضعيف متخلخل الحجة .. لذا فقد وجب إثارة كل دعاوي التكذيب الممكنة .. وطرح مضاد لكل الشبهات القابلة للإثارة من قبل المعارضين ... ذاك لتنتهي الفترة النبوية .. ويصعد الوحي وقد خدم الأطروحة السماوية بكل ما يمكن .. وتكامل الدين بتخليته وتحليته .. ولم يعد هناك للمتأخرين من حجة للفكاك ..
ذاك ديدن الدعوات النبوية .. فكيف يانبي الله الخاتم .. تكون الأطروحة الخاتمة ..
لابد لتلك الأطروحة أن تحوي كل الأطروحات السابقة .. وتتجاوزها .. بل وتحوي ثقل الحجة علي كل شبهات المعارضين التي ظهرت فعلاً ... والتي تتصاعد مع توالي الأزمنة الباقية علي نهاية الدنيا .. 
لذا يحشد لها المولي المعارضين كما حشد لها المدافعين والمؤمنين ..
شياطين الإنس والجن .. ويتكاتفون .. والوصلة بينهم .. وحي من نوع أخر .. وحي شيطاني .. يحاول مضاهاة الوحي الرباني .. وأني للظلام أن يضاهي النور ..
هناك نظرية حياتية تجريبية تقول أنك تحتاج إلي مقدار من النور لتبدد عشرات عشرات أمثال حجمه من الظلام ..
أما كانت الشمعة الصغيرة تضيئ غرفة .. والمصباح الصغير ينير قاعة .. فما نسبة حجم الشمعة إلي حجم الغرفة ؟؟
الظلام ياسادة ما هو إلا حالة سلبية .. ليس وجوداً فعلياً .. إنما هو فقط "لا وجود " للنور .. لذا فمجرد تجلي لمحة من لمحات النور كافية لانتفاء وصف الظلام ..
زخرف القول .. في مقابلة مع أحسن الحديث ..
نعم هكذا هي مصادر التلقي علي الحقيقة ..

كتاب الله مصدر التلقي الرئيس لقوات النور .. وزخرف القول مصدر تلقي معسكر الظلام ..
الوحي الرباني .. ومنظومة الالصفاء المتكاملة التي لا تحتمل شكوكاً .. ولا تطرح في صيغة الجدالات  الفلسفية .. وإنما مخاطبة بسيطة إعجازية للفطرة السليمة .. يستقيم معها الفهم .. ويتوافق مع تردداتها الإدراك .. وينسجم معها التصور .. فلا نتوءات .. ولا شذوذ .. 


وزخارف قولية .. ظنية ... مناطها الهوي .. وعقم الجدليات ..  إبحار عابث في بحار بلا ساحل .. بل بحار بلا أمواج .. ولا مياه ..
إنما هي هاوية ظلامية عميقة عمق الهبوط الشيطاني من طاووسية الملائكة .. إلي درك النار الأسفل ..
عبث جدلي حيناً .. وغمغمات فنية غير مفهومة .. وتقيؤات لعسر الهضم العقلي العاجز عن معالجة طعام لا يناسبه اسمه الغيب .. 
وفي النهاية يتجمل البغاء العقلاني والفلسفي والفني .. والسفاح التصوري .. في صورة متزخرفة .. أيدولوجيات .. وروايات .. وأشعار .. ولوحات .. 
وأني للزخرف أن يطمش ملامح التشوه الباطني .. وأني للعطور أن تغلب عفن القيء الظلامي .. فلا تميزها نور البصيرة ..
وأني لذاك كله أن ترتاح معه الفطرة .. وينسجم معه التصور .. لابد من الأضطراب والتوتر الداخلي .. كصرخة لروح تستجير تتوسل طعامها السهل البسيط ... وحي الله ..

ولو شاء ربك ما فعلوه .. تلك الحقيقة التي لم يزل يؤكد عليها ربنا في السورة مرة تلو مرة .. لا شيء يخرج عن المشيئة .. وفارق بين المشيئة وبين المحبوبية .. ومعني البلاء والامتحان .. وإقامة الحجة علي المخالف فاسد الداخل ..
واستخدام لفظة ربك هنا .. مغايرة لاستخدام الله في سائر الصيغ المشابهة في الصورة .. لقرب ذاك الأمر .. واتصاله الحميم بموضوع النبوة نفسه وشخص النبي .. وكأنه ربتة خاصة .. وغوص أعمق في نفس النبي ذاته .ز وصياغة نهائية طريقة التفكير النبوي .. ووضع رتوش جمالية في التصور الذاتي للنبي نفسه ..

فذرهم وما يفترون .. هم لا يضرون إلا أنفسهم .. وعليك البلاغ .. ومواجهة الفطرة المحتضرة تحت ركام الزخارف يكفي للإفاقة .. فإن لم يفيقوا .. ولم ينفضوا الركام .وينتشلوا الفطرة .. ويبقون في الفرية والكذب والزيف .. فهم وما عليهم ..
......................................................................................................

"ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون "
هي تراتيل الظلام .. وترانيم الشيطان .. وتجويد الزيف .. تنطلق أصداءها الخاوي في أثير الكيان البشري .. لتلاقي بتردداتها النجسة رجس النفوس الضائعة .. فتصغي .. وترهف أسماعها .. وتصفق ... وتطبل .. فقد وافق الرجس مرجوساً .. 
فلا عجب أن يرضي العوج أناس .. العوج يسكنهم .. ولا عجب أن نجد من يدافع عن حق الناس في الظلام .. وحرية اقتراف الزيف .. والحق في الفاشحة ونشرها .. لا عبج أن نجد من يصفق للزيف الزخرفي المتردد في الأثير .. ويعطي عليه الجوائز ويطبعه في طبعات فاخرة .. ويفتح له دور العرض .. ويبثه إلي الفضاء البشري باحثاً عن رجس خفي حائر .. أو مخاطباً شهوات النفوس وشبهاتها ..

هكذا هو دور الزخارف الوحيية الشيطانية .. من شياطين الإنس والجن ..  فصل الناس .. وممايزتهم .. وتجميع القبح معاً .. كمكنسة ربانية خفية .. تكوم الغبار بعضه فوق بعض .. فلما يكتمل بياض الجوار .. ويتجمع الرجس معاً .. يجعل الخبيث بعضه فوق بعض . .. فيركمه جميعاً .. ضربة واحدة .. بعد الحشد .. خير وأبرك من ضربات متتالية متفرقة تطارد حبات الغبار في هواء الجوار ..

...................................................
"أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتينهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين "
هي الجدلية الثالثة .. المتابعة لجدلتي اثبات الربوبية .. واثبات الألوهية لله .. 
جدلية الحاكمية ..  فاثبات الربوبية لله بالخلق والرزق والملكية .. يتبعه اثبات الألوهية لله بعبودية العباد وتوكلهم وسؤالهم ونسكهم .. 
يستتبع ذلك بالتوالي اثبات الحاكمية له .. فلا سلطان للأهواء .. ولا متسع لقانون وضعي يحكم في رقاب العباد فيما حكم الله فيه ..
لا مكان لعبودية العباد للعباد .. فالتشريع والحكم من مقتضيات اللألوهية .. فلا ينازع الله فيه بشري .. 
فلا مكان لحكم الشعب للشعب .. ولا حكم الدساتير الوضعية .. والأعراف القاصرة اللامتناسقة مع ذاتها أو مع الفطرة .. والفساد كل الفساد جعل الله إلهاً في السماء .. ونكران هيمنته علي الحياة الأرضية .. فهو في السماء إله .. وفي اللأرض إله .. له الخلق .. ولذا .. له الأمر .. وله الحكم وإليه ترجعون ..  
وذاك منعطف خطير للفساد البشري الحالي .. وانحدارة الحضارة ..

فيكف يبتغي الحكم في برلمانات وتشريعات مهما عظمت فلن ترقي للأتساق والشمولية التي هي عنوان التشريع الرباني .. 
وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً .. 
فالمنهج الرباني ليس طلاسماً مستغلقة علي الفهم .. فرغم احتوائه علي أسرار لا متناهية إلا أن ظاهرها ومحكمه كاف وزيادة لصيانة الكيان الأرضي بأسره من الفساد ..

مفصلاً
 في الملابس .ز كلنا يعلم الفارق بين التفصيل وبين الجاهز ..

بين أن تلبس لبساً تم صياغته علي مقاسات "موديلات" أو قوالب قريبة منك بعض الشيء ..
وبين أن تلبس لبساً مفصل علي مقاسك أنت .. ملائماً لك أنت .. بكمال احتياجاتك أنت ..
وهكذا ذاك الكتاب ..
هو ليس أيدولوجية خاجرة من شطحات لمفكر نتاجح ظروف ما .. ووواقع ما .. وأزمنة ما ..
إنما هي تفصيل رباني علي مقاسات النفوس البشرية .. الذي يعلمها .. فهو خالقها ... بل هو أعلم بها من أنفسها .. تفصيل كامل شامل ملائم لكل جزئيات الحاجات البشرية .. ليس مجرد قالب مصاغ ليخرج مجموعة من القوالب الجامدة مأمور بامتطائه بجمود ..
وإنما هو عزف علي أوتار خاصة للنفس .. لا يعلمها سوي خالقها ... عزف تنفتح له خزائنها المستورة .. وترتقي به الروح حاملة الكيان البشري بأسره إلي عوالم فوق ارضية .. لتحقق ذواتها بحق .. ذواتها الحقيقية .. ليمنحها سعادة حقيقية ميزتها الديمومة .. لا سعادة زائفة أو مؤقتة .. ولا مسكنات لحظية ..

والذين آتينهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق
إن هذا الكتاب هبة ربانية .. ومنحة .. يؤتي ... ولا يحصل .. يستجلب بالتضرع .. ولا يحفظ إنما يستحفظ .. لذا كان الذكر الرباني للكتاب وأهله .. مقروناً بمعاني الهبة والمفعولية .. لا الجلب والفاعلية . فقال "بما استحفظوا من كتاب الله ".. " الذين آتينهم الكتاب " .. "ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا" ..  
وما من خير في الكون .. كأن يحمل كتاب الله في الصدر .ز ويمتلئ به الجوف .. وييتم تصطيبه علي التصور والذهن ... فيعمل وحده كسوفت وير عام ... ومشغل رئيس لكينونتك ..
لماذا أصبحت كل حاجاتنا الحالية محمولة . فالتليفون محمول .. والزمن محمول علي ساعات يد .. والتلفاز محمول .. والكمبيوتر محمول.. ثم زهدنا أن يكون الوحي الرباني في الجوف محمول ؟؟؟!!!
يالحماقاتنا .. حين اكتفينا بالتبرك .. وتعليق المصاحف علي الحوائط .. وحملها في الجيوب .. وفي السيارات .. وإنما نزلت لتحمل في القلوب ..
ألم أقل دوماً .. كعنوان عام .. كإمرأة عقيم حالمة .. نفسي أبقي حامل ..

وهذا الحمل لكتاب الله .. يرفع الأإنسان إلي مراحل أخري من التلقي .. فليس القارئ كالمستحفظ مهما تدبر .. ليس القرارئ كالمجيد الحامل لكتاب الله الذي اجتمع القرآن في ذهنه فاستطاع ان يدلف إلي عوالم تكامله ..وتجمعت في تصوره خيوط الإجابات ..
فالذين آتينهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق .. هي مرحلة أعلي من اليقين .. وعوالم أرقي من الإيمان .. 
وكأن الولاية ومرحلة ما بعد النبوة   تبدأ من القرآن وحمله .. بل وكأن النبي يحتاج إلي دعم هؤلاء الحملة بحق .. والرسوخ بيقينهم أنه من عند الله وما ينبغي لبشر أو شيطان أو كائناً ما كان سوي الله أن ينزل مثله .. 
ألم يخبره ربه في مكان آخر أنه إن كان في شك منه فليسأل الذين أتاهم الله الكتاب سيجيبون أه جاءه من ربه الحق ..
 فإن كنت في شك مما أنزلنا اليك فسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك

فلم يعد بعد يقين حملة القرآن للنبي نفسه موضع شك .. فما بالك بشكوك الحملة .. أو المؤمنين ..
إن خير علاج لداء الشك .. وشبهات الشيطان .. ووساوسه .. هو حمل القرآن .. فارحل إلي القرآن .. وانكب عليه حتي يجتمع في صدرك ثم ابحث هل بقي من شكوكك شيء .. وهل بقي من أعشاش الشيطان في النفوس شيئاًُ ..
تري شمعة القرآن إذا أدخلت الصدور...  كم تزيل من الظلام ؟؟؟؟!!! وهل يبقي بعدها من الظلام شيئاً ...؟؟!!
أجب أنت .. كتطبيق علي نظرية الشمعة والغرفة .................................................................

الأحد، 1 أغسطس 2010

الأنعام .. ربع ولو أننا نزلنا .. الآية 111 "معها بعض قواعد التدبر"

"ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتي وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون "

إن من النفوس ماهو أقسي من الحجارة .. واكثر استغلاقاً من مخاطبة الجمادات ..
إن من النفوس من غاص في أعماق الظلام .. حتي أسفر ارتفاع الضغط في الأسفل عن تفجير بقايا الضمير ..
فالضمير الأبيض لا يحتمل ارتفاع ضغط الغوص في الأرض ..
فأصبحت عودته درباً من الأحلام .. واحتاج ليفيق أكثر من مجرد هزة للنائم ..
خرجت عودته من دائرة الإمكانية إلي دائرة القدرة والمشيئة الربانية الإعجازية ..
احذر أن تبقي في الظلام حتي تعلو القلب قشرة تخنقه .. قشرة تحتاج أكثر من مجرد الحفر لانتشال القلب من تحت الركام ..
قشرة تحتاج أكثر من قنبلة .. أكثر من رسالة .. أكثر من واردة إفاقة .. أكثر من آية ..
........


وأحياناً نقع نحن في تلك الإشكالية .
اشكالية انتظار الآية الأكبر .. والسطوع الأوضح .. وكأننا نريد احياناً أن نسمع هاتفاً ما من السماء يقول ويلك آمنت إن وعد الله حق ..
أحياناً ننتظر أن يوحي إلينا .. لنتبع الوحي ..
ياللحماقات ..
ننتظر ملاكاً من السماء يخبرنا باقتراب الأجل لنبدأ في التغيير .. ننتظر ميتاً يحذرنا ما رآه علي الجانب الآخر للكون .. لنبدأ في الاستعداد ..
ننتظر أن نتلقي كرامات تعطل قوانين الأرض .. فقط لنؤمن بعوالم الغيب ..

إن حقيقة الإيمان تخالف كل هذا .. حقيقة الإيمان هي مجرد خفوت شاحب للآية يملأنا يقيناً ..
حقيقة الإيمان ان تري ما لا يراه الآخرون ..
أن تتعامل مع الكون تعامل اليقظة والوعي .. تعامل التلقي المباشر من سيد الأكوان ,.
أن تري في لمحات الآيات الربانية ..  حيناً دعماً .. وأحياناً تحذيراً .. وأحياناً لفتة جمالية .. وأحياناً نغمة ترويحية .. لك ...
.............

ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ..
القلوب بين إصبعيه .. والغد معلق بالمشيئة .. وأبواب المناجاة بيديه وحده .. والنواصي بأمره إن شاء أدخلك عليه  وما كان في ذاك إلا متفضلاً .. وإن شاء طردك .. وما كان في ذاك إلا عادلاً ...
الإيمان ليس تفضلاً بشرياً علي الأكوان .. إنما هو فضل رباني حباك به .. لو ذهب له عمرك شكراً ما كافئه حمداً ..

.................
ولكن أكثرهم يجهلون ..
جديدة هي تلك الصيغة هنا .. ومختلفة عن خواتيم الآيات الشبيهة .. التي تنتهي غالباً ب "ولكن أكثرهم لا يعلمون"
وأحد كبري قواعد التدبر القرآني .. أنه إن تغيرت الصيغة المتشابهة فإنما هي لفت النظر إلي ثقل المطروح . .وإلي معان موازية وأحمال معنوية تفوق مجرد القراءة ..
لفت نظر إلي مزيد من التدبر ..
أحياناً يغير حرفاً عن صيغة متشابهة تكررت مرات عديدة بدون ذاك الحرف .. فقط للإشارة إلي عوالم أخري في هذه الآية ..

وجدير بالذكر هنا .. أن نذكر احد غايات المتشابهات القرآنية .. وهي قاعدة نسميها قاعدة الإحالة القرآنية .. أو الهوامش الذاتية ..
بمعني .. أن كتاب الله يحوي بعض الآيات المتشابهة والصيغ المتشابهة متكررة ومتفرقة علي سور متعددة ..
هذا التكرار ليس أبداً لا غائي أو عشوائي .. وحاشاه أن يكون استفراغاً للقاموس الرباني في الوحي ..
وإنما هو حكيم مدبر مقصود له غايات عدة ..
أحدها هي فكرة الإحالة .. فإذا تكررت لفظة ما .. أثارت في نفس الحامل لكتاب الله كل تلك المعاني المحمولة قلبياً المجاورة للصيغة المشابهة لها ..
اي أنها أحالت تفكيره إلي الصيغ المشابهة والقريبة ..
ذاك لأن الحمل المعنوي .. والتاثير المرجو من المقطوعة القرآنية التي تحمل الصيغة المتشابهة لا يتم ولا يكتمل إلا بتضافر الحمل المعنوي للصيغة الأقرب لها ..
وكأنه نوع من الهامش للروح .. وكأنه يقول انظر صفحة كذا .. دون ان يقولها .. بل أحياناً دون ان يدري حامل القرآن أصلاً ان ذاك يحدث في الداخل ..
هذا للمتشابه المتطابق لفظاً ..

أما للمتشابه المختلف .. أو المميز .. فهو يثير في النفس نوعاً أخر من الإحالة القرآنية .. أسميه الإحالة المقارنة ..
فحين تتردد الصيغة الممايزة المختلفة عن شبيهتها "متشابه وغير متشابه" في نفس ذات الوقت ...
تجبر الروح المتدبرة عن التريث قليلاً .. واستحضار حتمي للصيغة الأخري .. واحصاء المختلف .. بإجراء نوع من المقارنة اللفظية بين الصيغتين القرآنيتين ..
وفي تلك الأثناء يتم لا شعورياً أيضاً في نفس حامل القرآن اجراء مقارنة بين الحملين المعنوين التي تنطوي عليهما الصيغتين ..
ففي نفس حامل القرآن حين تعلو الصيغة اللفظية يتم استحضار المعاني المجاورة لها بالكامل ..
وأحياناً يتم ذاك إرادياً في البدايات .. فيحاول القارئ أن يتدبر غاية اختلاف الصيغة القرآنية في موضع ما عن غيره من مواضع كتاب الله .....

وتلك قواعد مهمة جداً من قواعد التدبر .. والتمكن منها يفتح للقلب أسراراً ومغاليق لها من الوطأة اللذيذة ما الله به عليم .. لا توصف باللفظ .. وإنما فقط من ذاق عرف ومن عرف اغترف ..

والقرآن في هذا قد سبق النظم الموسوعية الإلكترونية الحديثة .. أمثال الويكيبيديا ... ونظم الإنترنت 2 أمثال الويكي .. ونظم البرمجة والتصميم .. أمثال h t m l .. بل المتأمل لتلك الصيغ كاملة يجدهعا تقوم علي نظام الأحالة التي اتبعه القرآن منذ القدم .. بل واتهمه الأغبياء بالتكرار ..
فصفحة الويكي نفسها .. تجدها تظلل بعض الكلمات باللون الأزرق وبمجرد الضغط عليها تحيلك إلي صفحات أخري لا يتم فهم الصفحة الأولي ويكتمل إلا بها ..
وتلك الصفحات الجديدة تحيلك إلي غيرها وغيرها وغيرها .
لتصل إلي نوع من التعلم التشعبي يقول عنه علماء المخ والأعصاب أنه أفضل أنواع التعلم .. لأنه يوافق تصميم المخ والخلايا العصبية ذاتها .. متشعبة متصلة ببعضها يحيل بعضها إلي بعض في تناسق عجائبي ..
فسبحان الملك القدوس ....

لذا لن أتحدث هنا عن الصيغة القرآنية "ولكن أكثرهم يجهلون" ..
سأتركها لتكون تطبيقاً علي قواعد التدبر تلك ..
قم بإحصاء الصيغة المقاربة "ولكن أكثرهم لا يعلمون ". وقم بفكرة الإحالة المتشعبة للمقطوعات القرآنية التي تحوي تلك الصيغة ..
ثم قم بالمقارنة ومحاولة استشفاف الغاية من اختلاف تلك الصيغة هنا في سورة الأنعام عن غيرها ...

يتبع .........................