الجمعة، 6 أغسطس 2010

الأعراف .. الربع الأول.. أية 1 -3

"المص . كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به  وذكري للمؤمنين "
الحروف المقطعة في أوائل السور .. قتلت بحثاً .. وخرجت نظرات لتأويلها وتفسيرها .. لا محل لذكرها هنا ..
إنما ما نود الإشارة إليه .. أن كل ما وصل إليه العلم عن النفس البشري لا شيء علي الإطلاق ..
وخصوصيات النفس .. تنكشف في ظواهر وظواهر ليس للعلماء حظاً منها سوي التامل .. والتناسي ..
إن تلكم النفوس عوالم ومجاهيل .. وإمكانات هائلة .. وحواس تفوق السبعة العلمية المشهورة ..
حواس روحية عديدة.. لا سبيل لإدراكها .ز أو قياسها .. ولكنها هي المفسر الوحيد لمستغلقات الظواهر .. وعجائبيات الكون البشري ..
والله خالق تلكم النفوس .. أودعها قوانين وأسرار كما أودع كونه الخارجي .. أسراراً لا تقل اعجازاً واتساعاً عن المجرات والحبك السماوية .. وترددات الذرات والإلكترونات .. وعوالم الكواركات والمجالات والموجات ..
النفوس تحوي ثقوبها السوداء حيث الزمن يساوي صفر .. ومجراتها العملاقة حيث الزمن نسبي لا محدد .. وكويكاباتها المتصادمة حيث الأضطراب .. ومجالاتها الموجية حيث السكون والهارمونيا والتجانس النغمي ..
والله وحده يعلم كيف يخاطب تلك الأوتار الخفية .. وكيف يبعث بترددات نغمية حرفية ملائمة لما يريد تشغيله من سواكنها .. وما يردي اطفاؤه من شواغلها ..
فلا عجب أن نجد التجويد القرآني .. وعلم التلاوة .. بإعجازه النغمي .. ومساحات قراءاته الشاسعه .. التي لا تكتفي بمخاطبة النفس بالسورة .. والمقطوعة الحرفية .ز إنما تضفي إليها نغمة صوتية .. ورنة التجويد المقننة .. لتلعب علي أوتار النفس الخفية .. لتجعلها أكثر ملائمة لوقوع التأثير المعنوي المرجو من المقطوعة اللفظية ..

ألست حيناً تسمع مارشاً عسكرياً موسيقياً يملؤك حماسة .. أو مقطوعة ناي تملؤك حنيناً .. أو مقطوعة كمان أوبيانو تبعث فيك شوق لجلسة حب ..
ما هي إلا نغمات .. ترددات صوتية .. 
وهكذا التجويد .. والقراءات .. نغمات وترددات صوتية .. لها من الإعجاز النغمي أنه بتطبيقها الكامل المتأمل المرهف من حواس الروح .. يضاعف التـأثير اللفظي للقرآن ..

لذا فإن عجزت الأفهام عن التقاط المعني في ألف لام ميم صاد .. فقد حدث تأثير ما .. ربما غير مدرك عقلياً في مكان ما في الداخل .. وتفتحت من النفس مغاليق ما .. وانغلقت منها أبواب ما .. كل ذاك بضمان الصانع ؟
فإن للقرآن تأثيراً يجاوز التأثير اللفظي بكثير .. ألم تري ربك لا يأتي بإحدي تلك الحروف المقطعة حتي يقرن بينها وبين الحديث عن نعمة التنزيل .. وسطوة الكتاب وهيمنته علي النفوس والدساتير ..

"كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكري للمؤمنين"
فضل الأفضال .. ونعمة الأنعام .. أن يتفضل ربنا بانتشالنا من هوة الحيرة .. ويرسم لنا بنفسه خطوط العمل .. ومناهج التصور ..
أن يستخدم مطلق القدرة والجبروت اللغة .. ويحيلها كتاباً وعوالم اتصال بين السماء والأرض ..
أن يربط الأرض بالسماء .. برابطة أرضسماوية عجيبة . لغة الأرض .. وكلام السماء ..

إن بين كتابات الأرض بأسرها .. كتاب وحيد مؤلفه .. لا أرضي .. لا بشري .. لا جني ..
إنما هو مطلق القدرة .. خالق الأرضين والسماوات ..
فبعدما أنزل الله من علياءه كتاباً ميسراً بين ايدينا نقرؤه .. أصبحت القراءة لغيره والاستماع لسواه .. والخوض في ما هو دونه درباً من الصفاقة ..
بل أصبحت أحاديث الناس ... بغير تلكم الكلمات التي رفع الله شأنها بأن جعلها قواماً لكلامه وقوالب لحمل معاني تنزيله ... وأوعية لنقل صبغته .. اصبحت أحاديث القوم الخارجة عن نطاقها درباً من الحماقات ..

أصبح الإلتفات إلي اي مكون تصوري أو عقائدي آخر .. والتلقي من أي وسيلة عداه .. درباً من الطيش والنزق .. والعفن النفسي ..

وأصبحت طرق عرض التصورات والاعتقادات .. وأنماط الإحتكام .. ومعايير القياس ... علي غير ما أورده .. نوعاً من السفسطة واللاجدوي .........

ولكن واهاً للإنسان العصري الذي اصبح يتبرأ من كلام الأعلي .. فيواريه كأهل الكتاب القدامي .. ويكتمه .. بل ويخجل أحياناً من ذكر الحكم الرباني الواضح في قضية مطروحة .. ويحمد الله علي أن أحدهم لم يفتش عنه .. 
واهاًً للحرج المتصاعد نتيجة اختلال المعايير الحقيقية للحكم .. نتيجة المعايير المعلبة .. وأنماط التفكير المقولبة والمستوردة .. والتي أصبحت هي التي يحاكم إليها القرآن .. لا أن تحاكم هي إلي القرآن كما كان مفترضاً ..
أصبح القرآن يستدل عليه .ز وتحشد له الأدلة .. وكأنه هو المتهم .. 

لا أن يستدل به .. وتحشد أدلة موافقته .. لأنه هو الحاكم .. والمعيار .. والمقياس المفترض ..

هذا القرآن الذي جاء ليرفعنا .. ولكنه جاء بإمكانية اخري أن يكون علينا لعنة .. وسبباً في الشقاء إن تركناه وراءنا ظهرياً .. وتركنا العمل به .. والإحتكام إليه ..
إننا أمة لم يرفعها سوي القرآن .. ولن ينفعها سواه .. وحينما تجنبه مكانه الرئيسي كقائد .. ومهيمن علي الحياة كاملة .. وتسعي نحو وسائل أخري للحكم والمواكبة .. لابد لها أن تسقط كل يوما أكثر وأكثر .,.
فذاك القرآن ليس منزلاً ليشارك ... أو لينتقي منه .. أو ليعطي نصف التوجه .. أو يكون "أحد" مصادر التلقي والتشريع ..
إنما جاء مهيمناً .. متفرداً .. محمولاً علي الجملة .. مصدر لا رئيسي .. وإنما أوحد ... للتشريع والتلقي ..
"علي اعتبار أن السنة النبوية إنما هي ترجمة واقعية لمنهج القرآن فهي تشاركه المنزلة لأنها ليست سوي وحياً فعلياً "

القرآن للجميع .. ذاك الشعار الرباني .. 
القرآن إنذار للمخالف .. وذكري للموافق .. وموعظة للغافل .. وشفاء للمريض .. وهدي للحائر .. وبركة للطالب .. وجهاد للعدو ..

مناطه ......................... "الاتباع الكامل الشامل المذعن بلا تأويل ولا تفيهق "

"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون"
الدين تخلية وتحلية .. أمر ونهي .. مطلوبات .. تعقب بمنهيات لصون تلك المطلوبات عن الملوثات ,.,.
فليس المطلوب اتباع القرآن فقط .. إنما الإلتفات الكامل عن كل ماسواه .. والتبرأ من كل ما عداه وما عاداه .. والاسكتفاء والاستغناء به عن كل تصور آخر .. وكل حكم وضعي .. وكل شطحة بشرية .. 


فليست الولاية إلا له .. وللمتكلم الجليل به ..
فليس أكرم من صاحبه .. وليس أحكم من منزله .. وليس أعلم من المتكلم به .
إذن فليس أكرم ولا أحكم ولا أعلم من القرآن .. بكرامة وحكمة وعلم المنزل سبحانه ..

ولكن هيهات الذكري .. هيهات التفكر .ز هيهات المقارنة الحقيقية .. والارتماء العملي بين دفتي القرآن .. قليلاً ما تذكرون ..
القرآن ذكري للذكري .ز وهدي للهدي ..
فهو يذكر بنفسه .. ويهدي بنفسه غلي الطريق المستقيم الذي ليس في النهاية سوي القرآن ذاته.. فهو يهدي بنفسه إلي نفسه ..

والقرآن معجزة الإسلام .. ومعجزة النبي محمد فلنتأمل قليلاً في تلك الحقيقة .. لنقارن بينه وبين غيره من معجزات الأنبياء :
معجزات الأنبياء كانت خوارق كونية تضفي علي شيء ارضي .. فتجعل العصا حية ... وتشق بها البحار .. وتفعل بها الأعاجيب .. والقرآن من ناحية هو تنزيل سماوي كامل .. يصنع بلغة العرب "الأرضيين " ويحيل اللفظ كينونة ساحرة .. معجزة تأثيرية تصنع الأأعاجيب.. فمن الحماقة أن نظن أن القرآن أقل قدرة من عصا موسي أو من شفاءات عيسي .. 
إنما تعطلت قدراته لفساد الحامل .. ولاعوجاج القابل .. أما هو فمعجزة المعجزات .. لا أستغرب أبداً قدراته الشفائية .. والخارقة لقوانين الأرض .. وكرامته للحاملين الأنقياء .. القارين بالمنة علي تشغيل معطلات قدراته ..

ثانياً : أن كل معجزة من معجزات الأنبياء كانت تأتي لتدهش السامعين .. فتدلهم بإعجازها إلي المنهج الذي جاء به النبي .. أي أنها وسيللة خادمة للمنهج .. فعصا موسي يبهر بها السحرة فيؤمنوا بنبوة موسي ,الوهية رب العالمين .ز ثم تسير لهم إلي التوراة ليتبعوها .. 
أما القرآن فهو المعجزة وهو ذات المنهج .. فهو معجزة تدهش السامع .. لتشير إلي المنهج الذي هو ذات المعجزة .. اي يشير بنفسه غلي نفسه .. يهدي بنفسه غلي نفسه كما قلنا ..

ثالثاُ : أن المعجزات كانت خاصة بالأنبياء أنفسهم .. لا تورث .. وتتعطل مع سواهم .. دعماً ربانياً للنبوة ذاتها .. أما القرآن فقد تشارك فيه التابع والمتبوع .. والنبي وأمته .. فهو كما قيل فيه "وإنه لذكر لك ولقومك" .. أخذته الأأمة في حياته .. وورثته بعده .. بكل إمكاناته اللامتنهاية .. لم يبق إلا أن تتبعه حق الأتباع وتعطيه نفسها كاملة لعله يعطيها بعضه .ز ينفتح عليها جزء من اسراره .......

يتبع  

هناك 3 تعليقات:

mahmoud يقول...

عقب قرأتى لهذه التدوية .. قد ملأنى الاحساس بأن .. القراّن هو جل صلتنا ورابطنا بالله الغير مقطوع ..
عندما سئلت عائشة ع نبينا محمد عليه افضل الصلاة والتسليم .. قالت كا قرأن يمشى على الارض .. وجميعا نسلم بأه اكمل الخلق واكرمهم .. ولا ادنى شك فى تساوى طرفى المعادلة ... القرأن هو وجه الكمال فى دنيا النقصان .. ومن اتصل به فقد وجب له شئ من هذا الكمال ..

جزاء الله خيرا ,,, ان احييت فينا هذه المعانى ,, اسأل الله ان ينير عليك بصرك وبصيرتك ويوفقك الى ما فيه كل خير

timaa يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
timaa يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.