الاثنين، 2 أغسطس 2010

الأنعام .. ربع ولو أننا نزلنا .. الآية 112- 114

"وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلي بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون"
إن هؤلاء المناوئين .. والمعادين .. والمتربصين .. ليسوا بخارجين عن التقدير الرباني .. ليسوا مارقين عن المشيئة .. فليس في الكون عن المشيئة تمرد قط ..
وإن خفيت الغايات .. وتوارت الحكمة .. لكن تبقي كل صغيرة وكبيرة .. بيضاء أو سوداء بالمعيار البشري القاصر .. كل شيء هو نوع من الصياغة الربانية .. والإخراج العام لحركة الكون .. كما يريدها هو ..
وبمضي الوقت قد تنكشف مستغلقات الحكمة .. وتسطع أنوار الحقيقة .. ليظهر غائية ما قد تواري عن الإدراك البشري العاجز فظنه عشوائياً صدفياً .. أو حتي ظنه شراً من نوع ما ..

وليست النبوة .. والوحي .. واتصال السماء بالأرض ..ورسم النور خطة الكيانات الأرضية المتخبطة .. ليس ذاك بالحدث العادي علي وجه التاريخ .. ولا يمكن إلا أن يكون صولة غير اعتيادية .. وانعطاف حاد في مسار الحياة ..
لذا الإعتيادية غير مطروحة في الصياغة التاريخية للنبوة .. بمعني أنه لا يمكن أن يأتي نبي .. ليقابل بالتصديق العام .. أو تمر دعوته بتصديق البعض وسلبية المعارضين ..
لم نسمع عن نبي صدقه بعض قومه .. ولم يطرد .. ولم يحارب .. ولم يدافع .. ولم يعذب هو ومن معه ..
لم نسمع عن نبوة بلا بطولة .. وفداء .. وصراع ..
فالنبوة تجلي للصراع ... بين قوي النور والظلام .. دعم سماوي لقوي النور في النفس والأرض علي قوي الظلام .. فكيف تترك هكذا بلا صراع ..

ولعظمة الطرح النبوي .. ولأن باعثه ومولاه ليس بالضعيف متخلخل الحجة .. لذا فقد وجب إثارة كل دعاوي التكذيب الممكنة .. وطرح مضاد لكل الشبهات القابلة للإثارة من قبل المعارضين ... ذاك لتنتهي الفترة النبوية .. ويصعد الوحي وقد خدم الأطروحة السماوية بكل ما يمكن .. وتكامل الدين بتخليته وتحليته .. ولم يعد هناك للمتأخرين من حجة للفكاك ..
ذاك ديدن الدعوات النبوية .. فكيف يانبي الله الخاتم .. تكون الأطروحة الخاتمة ..
لابد لتلك الأطروحة أن تحوي كل الأطروحات السابقة .. وتتجاوزها .. بل وتحوي ثقل الحجة علي كل شبهات المعارضين التي ظهرت فعلاً ... والتي تتصاعد مع توالي الأزمنة الباقية علي نهاية الدنيا .. 
لذا يحشد لها المولي المعارضين كما حشد لها المدافعين والمؤمنين ..
شياطين الإنس والجن .. ويتكاتفون .. والوصلة بينهم .. وحي من نوع أخر .. وحي شيطاني .. يحاول مضاهاة الوحي الرباني .. وأني للظلام أن يضاهي النور ..
هناك نظرية حياتية تجريبية تقول أنك تحتاج إلي مقدار من النور لتبدد عشرات عشرات أمثال حجمه من الظلام ..
أما كانت الشمعة الصغيرة تضيئ غرفة .. والمصباح الصغير ينير قاعة .. فما نسبة حجم الشمعة إلي حجم الغرفة ؟؟
الظلام ياسادة ما هو إلا حالة سلبية .. ليس وجوداً فعلياً .. إنما هو فقط "لا وجود " للنور .. لذا فمجرد تجلي لمحة من لمحات النور كافية لانتفاء وصف الظلام ..
زخرف القول .. في مقابلة مع أحسن الحديث ..
نعم هكذا هي مصادر التلقي علي الحقيقة ..

كتاب الله مصدر التلقي الرئيس لقوات النور .. وزخرف القول مصدر تلقي معسكر الظلام ..
الوحي الرباني .. ومنظومة الالصفاء المتكاملة التي لا تحتمل شكوكاً .. ولا تطرح في صيغة الجدالات  الفلسفية .. وإنما مخاطبة بسيطة إعجازية للفطرة السليمة .. يستقيم معها الفهم .. ويتوافق مع تردداتها الإدراك .. وينسجم معها التصور .. فلا نتوءات .. ولا شذوذ .. 


وزخارف قولية .. ظنية ... مناطها الهوي .. وعقم الجدليات ..  إبحار عابث في بحار بلا ساحل .. بل بحار بلا أمواج .. ولا مياه ..
إنما هي هاوية ظلامية عميقة عمق الهبوط الشيطاني من طاووسية الملائكة .. إلي درك النار الأسفل ..
عبث جدلي حيناً .. وغمغمات فنية غير مفهومة .. وتقيؤات لعسر الهضم العقلي العاجز عن معالجة طعام لا يناسبه اسمه الغيب .. 
وفي النهاية يتجمل البغاء العقلاني والفلسفي والفني .. والسفاح التصوري .. في صورة متزخرفة .. أيدولوجيات .. وروايات .. وأشعار .. ولوحات .. 
وأني للزخرف أن يطمش ملامح التشوه الباطني .. وأني للعطور أن تغلب عفن القيء الظلامي .. فلا تميزها نور البصيرة ..
وأني لذاك كله أن ترتاح معه الفطرة .. وينسجم معه التصور .. لابد من الأضطراب والتوتر الداخلي .. كصرخة لروح تستجير تتوسل طعامها السهل البسيط ... وحي الله ..

ولو شاء ربك ما فعلوه .. تلك الحقيقة التي لم يزل يؤكد عليها ربنا في السورة مرة تلو مرة .. لا شيء يخرج عن المشيئة .. وفارق بين المشيئة وبين المحبوبية .. ومعني البلاء والامتحان .. وإقامة الحجة علي المخالف فاسد الداخل ..
واستخدام لفظة ربك هنا .. مغايرة لاستخدام الله في سائر الصيغ المشابهة في الصورة .. لقرب ذاك الأمر .. واتصاله الحميم بموضوع النبوة نفسه وشخص النبي .. وكأنه ربتة خاصة .. وغوص أعمق في نفس النبي ذاته .ز وصياغة نهائية طريقة التفكير النبوي .. ووضع رتوش جمالية في التصور الذاتي للنبي نفسه ..

فذرهم وما يفترون .. هم لا يضرون إلا أنفسهم .. وعليك البلاغ .. ومواجهة الفطرة المحتضرة تحت ركام الزخارف يكفي للإفاقة .. فإن لم يفيقوا .. ولم ينفضوا الركام .وينتشلوا الفطرة .. ويبقون في الفرية والكذب والزيف .. فهم وما عليهم ..
......................................................................................................

"ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون "
هي تراتيل الظلام .. وترانيم الشيطان .. وتجويد الزيف .. تنطلق أصداءها الخاوي في أثير الكيان البشري .. لتلاقي بتردداتها النجسة رجس النفوس الضائعة .. فتصغي .. وترهف أسماعها .. وتصفق ... وتطبل .. فقد وافق الرجس مرجوساً .. 
فلا عجب أن يرضي العوج أناس .. العوج يسكنهم .. ولا عجب أن نجد من يدافع عن حق الناس في الظلام .. وحرية اقتراف الزيف .. والحق في الفاشحة ونشرها .. لا عبج أن نجد من يصفق للزيف الزخرفي المتردد في الأثير .. ويعطي عليه الجوائز ويطبعه في طبعات فاخرة .. ويفتح له دور العرض .. ويبثه إلي الفضاء البشري باحثاً عن رجس خفي حائر .. أو مخاطباً شهوات النفوس وشبهاتها ..

هكذا هو دور الزخارف الوحيية الشيطانية .. من شياطين الإنس والجن ..  فصل الناس .. وممايزتهم .. وتجميع القبح معاً .. كمكنسة ربانية خفية .. تكوم الغبار بعضه فوق بعض .. فلما يكتمل بياض الجوار .. ويتجمع الرجس معاً .. يجعل الخبيث بعضه فوق بعض . .. فيركمه جميعاً .. ضربة واحدة .. بعد الحشد .. خير وأبرك من ضربات متتالية متفرقة تطارد حبات الغبار في هواء الجوار ..

...................................................
"أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتينهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين "
هي الجدلية الثالثة .. المتابعة لجدلتي اثبات الربوبية .. واثبات الألوهية لله .. 
جدلية الحاكمية ..  فاثبات الربوبية لله بالخلق والرزق والملكية .. يتبعه اثبات الألوهية لله بعبودية العباد وتوكلهم وسؤالهم ونسكهم .. 
يستتبع ذلك بالتوالي اثبات الحاكمية له .. فلا سلطان للأهواء .. ولا متسع لقانون وضعي يحكم في رقاب العباد فيما حكم الله فيه ..
لا مكان لعبودية العباد للعباد .. فالتشريع والحكم من مقتضيات اللألوهية .. فلا ينازع الله فيه بشري .. 
فلا مكان لحكم الشعب للشعب .. ولا حكم الدساتير الوضعية .. والأعراف القاصرة اللامتناسقة مع ذاتها أو مع الفطرة .. والفساد كل الفساد جعل الله إلهاً في السماء .. ونكران هيمنته علي الحياة الأرضية .. فهو في السماء إله .. وفي اللأرض إله .. له الخلق .. ولذا .. له الأمر .. وله الحكم وإليه ترجعون ..  
وذاك منعطف خطير للفساد البشري الحالي .. وانحدارة الحضارة ..

فيكف يبتغي الحكم في برلمانات وتشريعات مهما عظمت فلن ترقي للأتساق والشمولية التي هي عنوان التشريع الرباني .. 
وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً .. 
فالمنهج الرباني ليس طلاسماً مستغلقة علي الفهم .. فرغم احتوائه علي أسرار لا متناهية إلا أن ظاهرها ومحكمه كاف وزيادة لصيانة الكيان الأرضي بأسره من الفساد ..

مفصلاً
 في الملابس .ز كلنا يعلم الفارق بين التفصيل وبين الجاهز ..

بين أن تلبس لبساً تم صياغته علي مقاسات "موديلات" أو قوالب قريبة منك بعض الشيء ..
وبين أن تلبس لبساً مفصل علي مقاسك أنت .. ملائماً لك أنت .. بكمال احتياجاتك أنت ..
وهكذا ذاك الكتاب ..
هو ليس أيدولوجية خاجرة من شطحات لمفكر نتاجح ظروف ما .. ووواقع ما .. وأزمنة ما ..
إنما هي تفصيل رباني علي مقاسات النفوس البشرية .. الذي يعلمها .. فهو خالقها ... بل هو أعلم بها من أنفسها .. تفصيل كامل شامل ملائم لكل جزئيات الحاجات البشرية .. ليس مجرد قالب مصاغ ليخرج مجموعة من القوالب الجامدة مأمور بامتطائه بجمود ..
وإنما هو عزف علي أوتار خاصة للنفس .. لا يعلمها سوي خالقها ... عزف تنفتح له خزائنها المستورة .. وترتقي به الروح حاملة الكيان البشري بأسره إلي عوالم فوق ارضية .. لتحقق ذواتها بحق .. ذواتها الحقيقية .. ليمنحها سعادة حقيقية ميزتها الديمومة .. لا سعادة زائفة أو مؤقتة .. ولا مسكنات لحظية ..

والذين آتينهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق
إن هذا الكتاب هبة ربانية .. ومنحة .. يؤتي ... ولا يحصل .. يستجلب بالتضرع .. ولا يحفظ إنما يستحفظ .. لذا كان الذكر الرباني للكتاب وأهله .. مقروناً بمعاني الهبة والمفعولية .. لا الجلب والفاعلية . فقال "بما استحفظوا من كتاب الله ".. " الذين آتينهم الكتاب " .. "ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا" ..  
وما من خير في الكون .. كأن يحمل كتاب الله في الصدر .ز ويمتلئ به الجوف .. وييتم تصطيبه علي التصور والذهن ... فيعمل وحده كسوفت وير عام ... ومشغل رئيس لكينونتك ..
لماذا أصبحت كل حاجاتنا الحالية محمولة . فالتليفون محمول .. والزمن محمول علي ساعات يد .. والتلفاز محمول .. والكمبيوتر محمول.. ثم زهدنا أن يكون الوحي الرباني في الجوف محمول ؟؟؟!!!
يالحماقاتنا .. حين اكتفينا بالتبرك .. وتعليق المصاحف علي الحوائط .. وحملها في الجيوب .. وفي السيارات .. وإنما نزلت لتحمل في القلوب ..
ألم أقل دوماً .. كعنوان عام .. كإمرأة عقيم حالمة .. نفسي أبقي حامل ..

وهذا الحمل لكتاب الله .. يرفع الأإنسان إلي مراحل أخري من التلقي .. فليس القارئ كالمستحفظ مهما تدبر .. ليس القرارئ كالمجيد الحامل لكتاب الله الذي اجتمع القرآن في ذهنه فاستطاع ان يدلف إلي عوالم تكامله ..وتجمعت في تصوره خيوط الإجابات ..
فالذين آتينهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق .. هي مرحلة أعلي من اليقين .. وعوالم أرقي من الإيمان .. 
وكأن الولاية ومرحلة ما بعد النبوة   تبدأ من القرآن وحمله .. بل وكأن النبي يحتاج إلي دعم هؤلاء الحملة بحق .. والرسوخ بيقينهم أنه من عند الله وما ينبغي لبشر أو شيطان أو كائناً ما كان سوي الله أن ينزل مثله .. 
ألم يخبره ربه في مكان آخر أنه إن كان في شك منه فليسأل الذين أتاهم الله الكتاب سيجيبون أه جاءه من ربه الحق ..
 فإن كنت في شك مما أنزلنا اليك فسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك

فلم يعد بعد يقين حملة القرآن للنبي نفسه موضع شك .. فما بالك بشكوك الحملة .. أو المؤمنين ..
إن خير علاج لداء الشك .. وشبهات الشيطان .. ووساوسه .. هو حمل القرآن .. فارحل إلي القرآن .. وانكب عليه حتي يجتمع في صدرك ثم ابحث هل بقي من شكوكك شيء .. وهل بقي من أعشاش الشيطان في النفوس شيئاًُ ..
تري شمعة القرآن إذا أدخلت الصدور...  كم تزيل من الظلام ؟؟؟؟!!! وهل يبقي بعدها من الظلام شيئاً ...؟؟!!
أجب أنت .. كتطبيق علي نظرية الشمعة والغرفة .................................................................

ليست هناك تعليقات: