الأحد، 1 أغسطس 2010

الأنعام .. ربع ولو أننا نزلنا .. الآية 111 "معها بعض قواعد التدبر"

"ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتي وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون "

إن من النفوس ماهو أقسي من الحجارة .. واكثر استغلاقاً من مخاطبة الجمادات ..
إن من النفوس من غاص في أعماق الظلام .. حتي أسفر ارتفاع الضغط في الأسفل عن تفجير بقايا الضمير ..
فالضمير الأبيض لا يحتمل ارتفاع ضغط الغوص في الأرض ..
فأصبحت عودته درباً من الأحلام .. واحتاج ليفيق أكثر من مجرد هزة للنائم ..
خرجت عودته من دائرة الإمكانية إلي دائرة القدرة والمشيئة الربانية الإعجازية ..
احذر أن تبقي في الظلام حتي تعلو القلب قشرة تخنقه .. قشرة تحتاج أكثر من مجرد الحفر لانتشال القلب من تحت الركام ..
قشرة تحتاج أكثر من قنبلة .. أكثر من رسالة .. أكثر من واردة إفاقة .. أكثر من آية ..
........


وأحياناً نقع نحن في تلك الإشكالية .
اشكالية انتظار الآية الأكبر .. والسطوع الأوضح .. وكأننا نريد احياناً أن نسمع هاتفاً ما من السماء يقول ويلك آمنت إن وعد الله حق ..
أحياناً ننتظر أن يوحي إلينا .. لنتبع الوحي ..
ياللحماقات ..
ننتظر ملاكاً من السماء يخبرنا باقتراب الأجل لنبدأ في التغيير .. ننتظر ميتاً يحذرنا ما رآه علي الجانب الآخر للكون .. لنبدأ في الاستعداد ..
ننتظر أن نتلقي كرامات تعطل قوانين الأرض .. فقط لنؤمن بعوالم الغيب ..

إن حقيقة الإيمان تخالف كل هذا .. حقيقة الإيمان هي مجرد خفوت شاحب للآية يملأنا يقيناً ..
حقيقة الإيمان ان تري ما لا يراه الآخرون ..
أن تتعامل مع الكون تعامل اليقظة والوعي .. تعامل التلقي المباشر من سيد الأكوان ,.
أن تري في لمحات الآيات الربانية ..  حيناً دعماً .. وأحياناً تحذيراً .. وأحياناً لفتة جمالية .. وأحياناً نغمة ترويحية .. لك ...
.............

ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ..
القلوب بين إصبعيه .. والغد معلق بالمشيئة .. وأبواب المناجاة بيديه وحده .. والنواصي بأمره إن شاء أدخلك عليه  وما كان في ذاك إلا متفضلاً .. وإن شاء طردك .. وما كان في ذاك إلا عادلاً ...
الإيمان ليس تفضلاً بشرياً علي الأكوان .. إنما هو فضل رباني حباك به .. لو ذهب له عمرك شكراً ما كافئه حمداً ..

.................
ولكن أكثرهم يجهلون ..
جديدة هي تلك الصيغة هنا .. ومختلفة عن خواتيم الآيات الشبيهة .. التي تنتهي غالباً ب "ولكن أكثرهم لا يعلمون"
وأحد كبري قواعد التدبر القرآني .. أنه إن تغيرت الصيغة المتشابهة فإنما هي لفت النظر إلي ثقل المطروح . .وإلي معان موازية وأحمال معنوية تفوق مجرد القراءة ..
لفت نظر إلي مزيد من التدبر ..
أحياناً يغير حرفاً عن صيغة متشابهة تكررت مرات عديدة بدون ذاك الحرف .. فقط للإشارة إلي عوالم أخري في هذه الآية ..

وجدير بالذكر هنا .. أن نذكر احد غايات المتشابهات القرآنية .. وهي قاعدة نسميها قاعدة الإحالة القرآنية .. أو الهوامش الذاتية ..
بمعني .. أن كتاب الله يحوي بعض الآيات المتشابهة والصيغ المتشابهة متكررة ومتفرقة علي سور متعددة ..
هذا التكرار ليس أبداً لا غائي أو عشوائي .. وحاشاه أن يكون استفراغاً للقاموس الرباني في الوحي ..
وإنما هو حكيم مدبر مقصود له غايات عدة ..
أحدها هي فكرة الإحالة .. فإذا تكررت لفظة ما .. أثارت في نفس الحامل لكتاب الله كل تلك المعاني المحمولة قلبياً المجاورة للصيغة المشابهة لها ..
اي أنها أحالت تفكيره إلي الصيغ المشابهة والقريبة ..
ذاك لأن الحمل المعنوي .. والتاثير المرجو من المقطوعة القرآنية التي تحمل الصيغة المتشابهة لا يتم ولا يكتمل إلا بتضافر الحمل المعنوي للصيغة الأقرب لها ..
وكأنه نوع من الهامش للروح .. وكأنه يقول انظر صفحة كذا .. دون ان يقولها .. بل أحياناً دون ان يدري حامل القرآن أصلاً ان ذاك يحدث في الداخل ..
هذا للمتشابه المتطابق لفظاً ..

أما للمتشابه المختلف .. أو المميز .. فهو يثير في النفس نوعاً أخر من الإحالة القرآنية .. أسميه الإحالة المقارنة ..
فحين تتردد الصيغة الممايزة المختلفة عن شبيهتها "متشابه وغير متشابه" في نفس ذات الوقت ...
تجبر الروح المتدبرة عن التريث قليلاً .. واستحضار حتمي للصيغة الأخري .. واحصاء المختلف .. بإجراء نوع من المقارنة اللفظية بين الصيغتين القرآنيتين ..
وفي تلك الأثناء يتم لا شعورياً أيضاً في نفس حامل القرآن اجراء مقارنة بين الحملين المعنوين التي تنطوي عليهما الصيغتين ..
ففي نفس حامل القرآن حين تعلو الصيغة اللفظية يتم استحضار المعاني المجاورة لها بالكامل ..
وأحياناً يتم ذاك إرادياً في البدايات .. فيحاول القارئ أن يتدبر غاية اختلاف الصيغة القرآنية في موضع ما عن غيره من مواضع كتاب الله .....

وتلك قواعد مهمة جداً من قواعد التدبر .. والتمكن منها يفتح للقلب أسراراً ومغاليق لها من الوطأة اللذيذة ما الله به عليم .. لا توصف باللفظ .. وإنما فقط من ذاق عرف ومن عرف اغترف ..

والقرآن في هذا قد سبق النظم الموسوعية الإلكترونية الحديثة .. أمثال الويكيبيديا ... ونظم الإنترنت 2 أمثال الويكي .. ونظم البرمجة والتصميم .. أمثال h t m l .. بل المتأمل لتلك الصيغ كاملة يجدهعا تقوم علي نظام الأحالة التي اتبعه القرآن منذ القدم .. بل واتهمه الأغبياء بالتكرار ..
فصفحة الويكي نفسها .. تجدها تظلل بعض الكلمات باللون الأزرق وبمجرد الضغط عليها تحيلك إلي صفحات أخري لا يتم فهم الصفحة الأولي ويكتمل إلا بها ..
وتلك الصفحات الجديدة تحيلك إلي غيرها وغيرها وغيرها .
لتصل إلي نوع من التعلم التشعبي يقول عنه علماء المخ والأعصاب أنه أفضل أنواع التعلم .. لأنه يوافق تصميم المخ والخلايا العصبية ذاتها .. متشعبة متصلة ببعضها يحيل بعضها إلي بعض في تناسق عجائبي ..
فسبحان الملك القدوس ....

لذا لن أتحدث هنا عن الصيغة القرآنية "ولكن أكثرهم يجهلون" ..
سأتركها لتكون تطبيقاً علي قواعد التدبر تلك ..
قم بإحصاء الصيغة المقاربة "ولكن أكثرهم لا يعلمون ". وقم بفكرة الإحالة المتشعبة للمقطوعات القرآنية التي تحوي تلك الصيغة ..
ثم قم بالمقارنة ومحاولة استشفاف الغاية من اختلاف تلك الصيغة هنا في سورة الأنعام عن غيرها ...

يتبع .........................

ليست هناك تعليقات: