الجمعة، 25 يونيو 2010

الجزء السابع .. الربع الأول .. المائدة .. لتجدن .. آية 89 - 91

ولا يزال الخطاب يتحول إلي برلمان التشريع الداخلي اللابرلماني .. فالتشريع في الكيان الإسلامي خصوصية ربانية ..
ألا له الملك والأمر ..
إلي "المائدة" الداخلية .. الداخلية ..
داخلية الكيان الإجتماعي .. وداخلية الكيان النفسي ...


يا أيها الذين آمنوا .. إنما الخمر والميسر ..
إن القرآن بأسره خطاب للأمة التي تحمله .. فأي ما ذكر فيه إنما هو تشريع لها ..
فلو قال الله في مبدأ هذه الأية إنما الخمر ..... رجس .. لحصلت الفائدة الظاهرة ..
ولكنه يؤثر في بعض المواضع أن ينادي ..


يالجمالية الكتاب الرباني .. فهو رغم كونه كلاماً موجهاً تعبدياً مأمورين بالإذعان الكامل لسلطانه في الحجة والتشريع والوعظ ..
ولكنه من الرقة بمكان .. أنه يناديك حيناً .. في ربتة خفيفة علي قلب العابد المذعن الخائف ... يرفعه بالنداء .. يطمئنه بالنداء ..
وينبهه بالنداء ..
يكرمه بوصفه بالإيمان .. فلا يجعل الإيمان حلماً صعب المنال ...
وكأنه ايضاً يذكره بالإيمان .. فالإيمان يقتضي الإذعان وهو المراد من التشريع ..
فالله يشرع ليطاع ..


و:انه أيضاً يخرج له كارت الإيمان ترغيباً وترهيباً لبيان أن التشريع القادم .. بقتضي الإيمان .. ويزيد الإيمان .. ويتحصل به علي الإيمان ..
وتضييع يقدح في الإيمان .. وينقص به الإيمان .. وقد تصيبه فتنة العصيان فيزول الإيمان بالكامل يوماً ...


إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ..
إنها أربع صور من الجاهلية... لا متعلقة ببعضها .. جمعتها أية النهي ... وجمعتها رجسيتها الشيطانية ..
أربع موائد للشيطان .. لابد أن تتبرأ منها المائدة الإيمانية ..
ومن الحماقة أن ينظر إلي ظاهر النص وحسب.. فتلكم الأأربعة إنما هي تقسيمات عامة .. يندرج تحتها كل ما انبثق منها وشابهها ..

أربع موائد ..يجب أن ينهي عنها .. حتي لا تدلف الشوائب إلي المنظومة الإعتقادية للمؤمن ..
وما علاقة المنظومة الاعتقادية بتلكم الأربعة ؟؟
مائدة الخمر .. مائدة ذهاب الوعي .. تتبعه المروءة .. تسبقه الإرادة والحكم والمسئولية عن الفعل ..
وهي أولي الغايات الخلقية ..
الفارق بين الإنسان وسائر المخلوقات .. هو أنه حمل الأمانة طوعاً .. باختياره ..
لذا خرجت عبادته وأفعاله من المحبوبية .. وخرجت تسبيحات سائر المخلوقات من التسخير والانقهار لسلطان الله ..

لذا فالخمر .. تزيل الإرادة الحرة .. وتجعل الإختيار للغرائز ..
وإذا اختارت الغريزة وانتفي الحكم الواعي .. فقد انتفت الإرادة .. وانتفي الاختيار .. وانتفت الإنسانية ذاتها ..
فإنما الإنسان مخلوق يختار .. "في حدود" ما منحه الله من المدي الاختياري ..


لذا ارتفعت الخمر من مائدة المؤمن .. لترفع معها كل ما يذهب الوعي .. والارادة .. والانطلاق بالفعل من المحبوبية ..
لترفع معها الهروب والعجز عن مواجهة الظروف الحياتية بالانتقال إلي لا واقعية حلمية بالمخدر ...


ومائدة الميسر المستديرة بأشكالها .. مائدة القمار ...
لكي نعلم لم قد رفع القمار من مائدة الدين نسأل :
لماذا يدمنون القمار .. ؟
إن القمار ليس لعبة .. او مغامرة .. إنما هو اسلوب حياة .. وطريقة تفكير .. إذا تسربت إلي النفس ملكتها واصبح الفكاك منها درباً من المستحيل ..
القمار .. رمية الزهر .. البدائل الكثيرة التي تتراوح من اللاشيء إلي كل شيء ..
تحول كل شيء في لحظة من الخسارة الفادحة .. إلي الفوز الخلاب .. وكيف يكون الاختيار بين البدائل تلك ؟؟
بلا شيء .. عبث .. دون أي منطلقات ... أو مقدمات .. بلا سببية ..
عبث .. وفوضي .. ولا غائية .. 
رموز من رموز الفكر الإلحادي .. والجاهلي ...
القمار ليس مجرد النرد الملقي .. أو أوراق الكوتشينة .. وبضعة أموال .. إنما هو رمز العبثية .. والحياة الفوضوية .
رمز لنفي القدر .. والغائية .. والعناية .. والعدالة .. والتكافؤ..
تحدي سافر للحكمة .. والتقدير .. والقيومية ..
لذا غلظ النهي عنه .. 
بل نهي عن مجاراته .. ومحاكاته .. فالأمر ليس متعلق بالأموال .. قدر تعلقه بفكرة الحظ والصدفة .. المراد انتزاعها من العقلية المؤمنة ..
لذا نهي النبي عن لعب النرد .. في أي شيئ .. حتي لو لم تدخل الأموال شريكاً للفائز .
فقط أيها المؤمن .. حتي في لهوك ولعبك .. لا تسمح للعبث .. والفوضي و.. وشيطانية التفكير أن تدلف إلي تصوراتك..

فوالله ,..والله .. ليس شيء افسد للإعتقاد .. وراحة البال .. وسلامة القلب .. من دخول أفكار العبث .. والصدفة .. والحظ .. واللاقدرية .. إلي التصور .. ولو مع اللهو ..






ومائدة الأنصاب .. الأنصاب هي موائد كانت تنصب لتقدم عليها القرابين للأصنام والآلهة ..
إذن فكيف ينهي الله المؤمنين عن طقوس كفرية ..

كما نقول .. ليست الأنصاب إلا قسم كبير يندرج تحته الكثير والكثير .. رمز لطريقة تفكير جاهلية .. وتصور باطل .. واعتقاد فاسد .. قبل كونها موائد وقرابين ..
فكما نهي الله عن التوسل لغيره .. وسؤال سواه ..
نهي عن التوسل له بغيره .. وسؤاله بسواه ..

نهي عن الواسطة .. والأدوات التوصيل البشرية منها والخزعبلية ..
نهي عن طريقة تفكير أساسها يقوم .. علي حاجة البشر لكيان موصل بينهم وبين الله ..
أراد بعد أن تحطمت الأصنام في الخارج .. أن يمنع أن تقوم اصناماً غيرها .. 
تقوم بينه وبين الناس .ز لتخبرهم أنهم معاشر الخطاة لا يستحقوا أن يتصلوا بالملأ الأعلي مباشرة .. ولابد لهم من واسطة ,,
أراد الله تحطيم أولئك المتسلقين .. ورموزهم ..
أراد تحطيم الأشجار .. والصخور المباركة .. وقبور الأولياء .. والنذوز للصالحين .. وتأليه الأنبياء ..
لتبقي مائدة اتصال البشر بربهم خالية من السموم ..


 ومائدة الأزلام .. الأزلام .. كانت قداح ثلاثة مكتوب علي احدها لا تفعل .. والأخر افعل .. والثالث فارغ .. اي يعيد الكرة إذا خرج له ..
نعم .. كانوا يستفتونها في أمورهم ..
نوع من الاستهام .. قرعة لاتخاذ القرارات الكبري في الحياة ..
نعم هوم العبث يدلف إلي التصور من مدخل أخر ..
ليسحق الله الأزلام .. ويبدلنا إياها بالاستخارة ...
افعل أو لا تفعل .. بإلهام وتوفيق رباني .. ليثبت في التصور القدرية والغائية .. والعناية ... والقيومية ...


جميعاً يجمعهم شيء واحد .. نجاسة شيطانية .. رجس من عمل الشيطان ..
كلنا يعرف أنه ليس اي من هذه نجس في ذاته .. اي يفسد الطهارة ..
وإنما هي تلك النجاسة المعنوية ... التي تفسد طهارة التصور والاعتقاد ...
فأولئكم الأربعة .. بمتفراعاتها إنما هم أركان الدين الشيطاني .. وأسس الاعتقاد الباطل .. وترانيم أهل الظلام ...


فاجتنبوه .. 
نعم هو ليس مجرد الانتهاء .. وليس مجرد لا تفعل .. 
إنما هو اجتناب كامل .. مفاداة .. وهروب عن موائد الشيطان .. بمنطلقاتها التصورية ..
لوذ بالإيمان أن تفسد طهارته بالرجس الظلامي .. لعلكم تفلحون ..


وليؤكد الله .. يأتينا بتفصيلات أخري للمنطلقات التصورية .. والنتائج أيضاً .. لأولئكم الموائد ..
ليلمح أن المقصود من التشريع مصلحة .. وحماية .
وأن كثير من المنهيات .. ولو غابت عنا الحكمة الظاهرة .. إنما هي للخير والصلاح .. الذاتي الفردي .. والعام المجتمعي .. بل البشري بأسره ..


إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ..
هنا بعد أن اكتمل الإيحاء بالفساد الذاتي علي المائدة الفردية ... يأتينا الوحي بتقرير الفساد العام علي المائدة المجتمعية داخل الكيان الإسلامي نفسه ..
كم من جرائم تمت تحت تأثير المخدرات ..
وكم من ذوي السوابق ليس مدمناً للمقامرة ..

وكم من قاطعي الطريق ليس بشارب للخمر ..
إن الإسلام يوفر سبل مغايرة لمقاومة الجريمة .. فالذي حكم بالقطع والرجم .. هو ذاته الذي تتبع اصول الجريمة .. فحرم الخمر والقمار ..
نظام متكامل .. من لدن حكيم ,, خبير ..
وهل يعلم الألة مثل صانعها ...


ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة .. فهل أنتم منتهون ... 
استخدام لكل وسائل الاقناع .. ببيان المنطلقات .. والنتائج ..  والجبهات النفسية والخارجية للمعركة الشيطان بالموائد الأأربعة الفاسدة مع التصور الإيماني القويم ..


فهل أنتم منتهون ..إنه أمر بالاجتناب .. ثم أمر بالانتهاء ...
أي أنه لم نهي فقط .. وإنما أمر أيضاً بالاجتناب ..إمعاناً في التغليظ ,,
كأن تقول لابنك .. اسكت ولا تتكلم .. .. رغم كون المعني واحد .. إلا أن التأكيد أقوي ...  


ولكنه اتي بالنهي علي هيئة سؤال طلبي .. لا يجاب عنه بالقول .. إنما الإجابة فعل ..
فالانتهاء فعل .. لا إجابة ..
لذا اغرورقت أرض المدينة بالخمر المسكوبة والمؤمنون يبكون .. انتهينا ربنا انتهينا ,, حتي لم ترفع فيها كأساً بعدها .. 




ليست هناك تعليقات: