الجمعة، 25 يونيو 2010

الجزء السابع .. الربع الأول .. المائدة .. لتجدن .. آية 91 - 96

وبعد تشريعين .. تشريع اليمين .. وتشريع الخمر والميسر .. وبعد أمر بالإجتناب .. يعقبه نهي عن الفعل ..
أصبحت أرواح التلقي مهيأة لقوانين قرآنية عامة ...

أحدهما لهم .. والأخر عليهم ...
الأول .. قانون الإذعان الكامل والتام .. وتوخي ألا يحيد المرء المسلم عن الخطوط المرسومة من قبل الوحي القرآني وموصله الرسول الكريم ...

وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ..نعم هما طاعتين .. فإن اجتمعتا في فكرة الإلتزام عموما .. ولكن تفصيلهما كان مراداً علي وجهه ..
لأولئك الذين يطعنون في تشريع النبي .. وسنته .. ويضربون القرآن بالسنة .. والسنة بالقرآن .. وكلاهما يكونان الصورة الكلية للتصور الإسلامي ..

أؤلئك الذين فعلوا بالهدي النبوي .. فهل أهل الكتاب بكتبهم ..
يلوون ألسنتهم .. ويحرفون .. ويقولون سمعنا وعصينا .. يتأولون ويتنطعون .. ويقيمون عقولهم حكماً علي الحديث النبوي الشريف ..
ينكرون السنة .. ويقولون قرآنيين ... وعم يعلمون أن إنكارهم لصحيح السنة .. ومنهج النقل بالتواتر .. ومنهج الأإسناد إنما هو طعن في القرآن .. الذي نقله من نقلوا صحيح السنة ذاتها ...


إن أحبار هذه الأمة الفاسدين .. بعدما حمي اله كتابه من تنطعاتهم .. وفلسفاتهم .. انقضوا علي السنة النبوية .. ينهشون .. ويبتدعون .. ويتأولون .. متعللين بالجتهاد ..
فينكرون .. ويتمذهبون ... ويتكاثرون متفرقين يوماً بعد يوم ..


لذا اتبع الله الأمر بطاعته .. ثم الأمر بطاعة نبيه .. اتبعه الأمر بالحذر .. واحذروا  
تحذير عام .. مبهم .. يصل إلي أعوجاجات القلب في التلقي فيصلحها ويقومها .. لتعتدل . 
ويضبط اجهزة الاستقبال الداخلية .. لتلتقط ترددات الوحي ..
الترددات التي لا يتلقاها بصورة نقية وجودة عالية .. إلا أولئك المذعنين قبلاً .. معلني الطاعة استقبالأً ...


ثم قانون كلي أخر .. لهم هذه المرة ..
ليس علي الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا .. إذا ما اتقول وآمنوا وعملو الصالحات ..
ثم اتقوا وآمنوا .. ثم اتقوا واحسنوا ... والله يحب المحسنين ...

وتلك الآية من الآيات الغريبة .. ولا غريب في القرآن .. وإنما الغربة في ادراكاتنا .. البعيدة العاجزة ..
ذاك التكرار والترتيب .. له غاية ..في ذاته .. 

ففي بداية الأمر يجتهد الإنسان في القرب من الله عبر ثلاثة جوانب ..
الإيماني .. وهو الطهارة الاعتقادية ..
والتقوي .. وهي الطهارة القلبية ..
والعمل الصالح .. وهي الطهارة العملية .. والناتج الخارجي ..

يجتهد فيهم الثلاثة معاً ..  وقد يشقون عليه في البدء كثيراً .. وتلك المرحلة الأولي .. اتقوا وآمنوا وعملو الصالحات ..


حتي يعتاد العمل الصالح .. فيسهل عليه .. ويبقي عناء التطهير الاعتقادي والقلبي .. وتلك المرحلة الثانية .. اتقوا وآمنوا ..

ثم يثبت اعتقاده .. وتقوي سبل استقبال روحه للتصور القديم .. ويكمل اعتقاده .. أو يقترب ..
وحينها ينصهر الأغيمان والعمل الصالح .. فيرفعان العبد إلي مقام الأإحسان .. وهو العمل انطلاقا من الإيمان ..
العمل بالمراقبة .. العمل منطلقاً من رقابة الله .. وقيوميته .. وعلمه .. 


وتبقي التقوي وتطهير القلب وظيفة العمر .. 
وتلك هي المرحلة الثالثة .. اتقوا واحسنوا ...والله يحب المحسنين ...




وعودة إلي التشريع ..
يا ايها الذين آمنوا .. وقد سبقنا الكلام حول النداء ..
ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ..
إن تلكم الآية .. لو فقهناها لانتفي الكثير من عناءاتنا .. 
نعم قد يلقي الله في طرقنا .. ما يبتلينا به ابتلاء موقفي ....
لا تظن أن ما عرض لك من فتنة أيا ما كانت .. وما تحرض بك من المنهيات هو خارج عن الحكمةى الربانية إنما جزء من الامتحان الأاكبر ,,
والترقية ..
إلي مقام الإحسان المذكور سالفاً ...


نعم صيد .. في المنال .. في مدي اليد .. والرمح .. ولكنك محرم .. 
هكذا الدنيا واغراءاتها ومحرماتها .. تأتي تحت يديك .. ومنالك .. تناديك أن اقتنصني .. أن اقضم لك قضمة من الشجرة ..


ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم 
.. وذاك الخوف بالغيب هو حقيقة الإحسان ..

فكأن هذه الأية هي مثال عملي علي مقام الإحسان..


ثم يأتي تشريع رباني عجيب .. لم يفطن غليه الكثيرون .. ولو فطنوا لما افتنوا بفلسفات الهند ورقة البوذيين ..
يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ..
البوذية تقضي بألا يمس كل ما له حياة طوال الحياة .. إيماناً منهم باتصال الكائنات كلها .. ووحدة المنشأ والمصير .. والروح ..
وذاك نوع من العنت .. يمنع الأإنسان من كائنات مسخرة .. ولو آمن لهم العالم بأسره .. لزادت البهائم عن الحد الذي يكفي كلانا للحياة ..

بل إنهم يغالطون أنفسهم بكونهم نباتيين .. أوليس النبات نوع من الحياة ايضاً ..
ولن تجد مثل التصور الأسلامي المتوازن ..
فهو يمنع قتل الحياة .. بل ويلبس الأنعام وبهائم الهدي قلائد تميزها أكثر ..
ولكن لفترة محدودة من العمر .. تكفي لاشباع الروح .. وتنقيتها .. دون الإخلال بوظائف الإنسان علي المدي الطويل ..



بل يقتص من قاتل النعم وهو محرم بمثلها .. يا له من دين يقتص حيناً للأنعام . حيناً ويتقرب بذبحها للفقراء .. 
إنه التوازن والوسطية .. سمته اللصيقة ..

ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم 
هو دين يرفض الديكتاتورية والأنفراد بالحكم .. حتي لو كان الحكم هو مجرد تنفيذ للتشريع الرباني ..
لأن اليد الواحدة إذا اطلقت فسدت ..
ولكن إذا وازتها أخري وازنتها .. لذا كان الحكم لذوي عدل ..


هدياً بالغ الكعبة .. 
بل حتي مآل ذاك القصاص والكفارة قد ذكر بالتحديد .. هدياً للكعبة .ز يذبح مع الهدي يوم النحر للفقراء ..


أو كفارة طعام مسكين ..
وقد سبق لنا الحديث في جمالية الكفارة الإسلامية ...


نزيد عليها هنا جزئية أخري ..
وهي أن الكفارة نظام اسلامي نفسي رائع ..
فكم راينا من أناس يقتلهم الشعور بالذنب عن بعض الفعلات القديمة .. 
يهربون من تذكر الماضي ..
وأحياناُ يهربون من ملاحقته لهم ..
فخرج نظام الكفارة .. متكاملاً مع الأستغفار ومقام التوبة .. ليعطي الإنسان وسائل للتعامل مع الماضي .ز
بل لتغييره ..
وقلب سواده بياضاً وسيئاته حسنات ..
واللوذ من عذاب القيامة ..




 أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره ..
اي وبال هذا .. لمجرد قتله صيد ؟؟
لا الأمر أكبر بكثير .. الأمر أمر مخالفة للأمر والتشريع والحكم الرباني ..
الأمر .. أمر سقوط واعتياد للزلل أمام الإغراءات ..
الأمر أمر تربية علي الإذعان والتسليم ..والكف عن المنهيات .. وتفوق الإرادة علي المغريات ..


 عفا الله عما سلف ...هو ثانية التوازن الرباني ورفع العنت .. 
قانون عام .. يربت علي عقدة الذنب .. ويريح الناس من عنت التفكير في الماضي ..


ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ..
موازنة أخري .. فمع كثير الربتات .. يخشي من تفلت ينطلق من طول الأمل .. والتمني علي الله .. والغرور بحلمه .
لذا فيختم الله التشريع بزجرة .. تلائم الربتة ..





أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة .. وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرماً ..


ولكن ليس كل الصيد واحداً .. فمن يذبح الدجاجة .. ويقتل الغزالة .. ليس كمن يصيد سمكة ..
وتلك روعة التشريع الرباني ..

فصيد البحر .. ليس داخلاً في الرهبنة المؤقتة بالإحرام .. لأنه لا يهز كثيراً ذاك السلام المطلوب في تلك المواقيت ..
بل إن كثيراً من النباتيين دون أن يطلعوا علي القرآن .. استثنوا السمك ..




واتقوا الله الذي إليه تحشرون ..
خير ختام .. يربط الزجر بالربتات .. التقوي .. رغبة ورهبة ..
فالمرجع والمآل .. هناك ..
والعمل الحق .. لليوم الحق .......................................





انتهي الربع بحمد الله .................. 

ليست هناك تعليقات: