الجمعة، 24 ديسمبر 2010

الفاتحة

قبل الخوض ... ألا يستوقفك الاسم .. هلا غصت قليلاً في العنوان ..
نعم هي ليست مقدمة .. هي ليست افتتاحية .. 
إنما هي فاتحة .. اسم فاعل .. نعم هي فاتحة الكتاب .. هي مفتاح أسراره ..
فإن كان القرآن سر الكون .. فالفاتحة سر الأسرار .. 


((إنه لقرآن كريم .. في كتاب مكنون .. لا يمسه إلا المطهرون))
توقف هنا قليلاً .. اقرأ هاتين الآيتين باحساس مختلف .. المتبادر إلي الذهن أن الله يصف القرآن بالكريم .. وأنه بين دفتي المصحف المكنون.. والمتبادر أن مكنون وصف لكتاب .. اي تعرب نعت ..
ولكن دعنا نغوص ... نري قرآن خبر إن .. وفي ذات الوقت بداية جملة خبرها مكنون مؤخر .. بمعني أسرع أن أصل الجملة 
إن هو (هذا ) قرآن (كريم) مكنون في كتاب .. 
ويكون مكنون إشارة إلي القرآن المخبأة اسراره بين دفتيه .. لا يمسه إلا المطهرون ..
فإن لم يكن إلا لطاهري الظاهر مس دفتيه .. فلن يكون إلا لطاهري الباطن مس اسراره ومكنوناته ..


ولابد للطاهر الذي يغوص في اسراره من خريطة .. وشفرة تحل له أكواد الأسرار القدسية ..  ومفتاح يفتح له مستغلقات العوالم الغيبية ..
لذا لاعجب أن تسمي الفاتحة ..


يقولون أن مكنونات الكتب السماوية وأسرار الكون تجمعت في كتاب واحد هو القرآن ..
ويقولون أن القرآن إن صح تجمعه .. لاجتمع في فاتحته .. 


لا عجب إذن أن يصف المولي الفاتحة في موضع .. فيقول :
"ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم " 
نعم .. إن الفاتحة نعمة عظمي . ومنة لا ينبغي أن تنسي .. نعمة داخل نعمة .. نعمة يضعها الله وحدها رغم كونها من القرآن ذاته .. ولكنها من الثقل .. والوطأة المعنوية والقدسية ما يجعلها تقف جوار القرآن كتفاً بكتف .. في سياق بيان التفضل الرباني بالمعجزة ..


السبع المثاني ..
سبعاً نفهمها فهي علي الأغلب سبع آيات .. 
فلم المثاني ..


إن السبع الثقيلات .. السبع المقدسات .. سبعة آيات تكررر في كل صلاة .. لاصلاة تصح دونها .. هي رقية الرقي .. ومفتاح الأسرار .. 
هي سبع قواعد عامة .. وخطوط عريضة تحكم السير البشري .. بل والسياق القرآن بأسره ..
وتلك القواعد السبعة هي قواعد مثنوية .. ليست ثنائية أو مزدوجة .. إنما كل قاعدة منها لها شقين .. كجناحين .. لا تتم إلا بالتحامهما ..


لذا هي السبع المثاني ..
العبث كل العبث أن أحاول الخوض فيها .. فالقرآن بأسره يدور حولها .. لذا سنوجز عرضها .. ونحيل إليها في أثناء تطوافنا في حمي القرآن ..
القاعدة الأولي : 
بسم الله الرحمن الرحيم ... 
وهي آية كاملة .. من أصل الفاتحة .. وهنا فقط في الفاتحة هي من أصل السورة .. فنجدها مرقمة علي أرجح الآراء كآية أولي ..
وذاك من الإعجاز التكنيكي للقرآن ..
أن يضع المولي لفظة افتتاحية .. تصنع سياجاً ومرحلة انتقالية بين السورتين .. وبين الكلام البشري والكلام القدسي .. ويجعلها خارجية ليست من سياق السور القرآنية التالية.. 
إلا في موضع واحد .. هنا .. الفاتحة
فالإفتتاحة القرآنية العامة .. هي من صميم الإفتتاحة القرآنية الخاصة ..
وكأنها أشارة أنه إن كانت البسملة المرحلة الانتقالية اللازمة لبداية التلاوة .. فالفاتحة هي المرحلة الانتقالية اللازمة لبداية الغوص في القرآن .. والتلقي عن الله ... وسبر أغوار اسراره ..
 وكأنك بالبسملة علي خطا نبي الله موسي يخلع نعليه علي اعتاب الواد المقدس طوي ..


يخلع النعل .. مكان اتصال الكيان البشري بالأرض .. النعل التذكرة بالتراب .. النعل رمز الإلتصاق بالأرض .. والإلتحام بالتراب .. يجب أن يترك هناك علي عتبة الاتصال بالسماء .. علي عتبة طوي ..
وياللإسم "طوي " .. الله اطلق عليه الإسم .. وعرف موسي عليه ..
طوي يطوي ماضي الحيرة والذنب .. طوي يطوي الدنيا ويفتح شراعات الآخرة .. طوي يغلق النوافذ الضيقة للكون.. ليقحمك فضاءات التحليق في حضرة الاتصال بالمكون ..
والقرآن .. هو "طوي" النفوس .. 
القرآن "طوي" خاص بكل منا .. بكل من أراد أن يطوي صفحة الضيق .. ويفتح للنفس أفاقها المحصورة .. وينير دهاليز ظلماتها ..


وكأنه يشير بكون البسملة .. اية اصلية من اصل السورة .. وانتقالية داعمة في غيرها .. أن الفاتحة هي حركة خلع نعال الجاهلية ..
الفاتحة هي عتبة طوي السرمدي .. هي النداء الرباني بخلع النعلين والقاء الدنيا ظهريا ..
ليس هذا فقط .. وإنما كما كان لموسي خلع النعلين .. تعارف بينه وبين طوي .. وكأنك تشعر بربك يعرف الكيانين ..
ياموسي .. هذا طوي ..
ويا طوي .. ذاك موسي .
فالكل منبثق من ذات المصدر .. 
يطلق الله الإسم علي الوادي .. ليشعرك بذاك الإتصال مع الكون .. اتصال وحدة المكون .. والتقاء المصدر .. 
فيا أيها السائر إلي الله .. الحائر .. المتتبع لبريق النار المترامي خارج طوي .. هي الفاتحة تناديك .. قل لدنياك أن تمكث .. وقل لأهلك يمكثوا فقد رايت نوراً .. لعلك تأتيهم بقبس أو جذوة تنير فضاءاتهم .. واخلع نعليك إنك علي أعتاب القرآن ..
والفاتحة هي تعارف بينك وبين القرآن .. 
إنها من القرآن نعم .. ولكنها جميعها تدور علي لسانك أنت .. هي كلام الله علي لسانك ..!!
اتشعر بتلك الوطأة .. والدهشة .. والسرور .. 
فأنت المبسمل .. وأنت الحامد .. وأنت المستعين .. والمعلن العبودية .. والطالب الهداية ..


هل أحسستها الآن .. عتبة وتعارف .. 
امتزاج وحيد بين كلام الله وألسنة البشر دون قالوا أو قال أو قل...
أنت تدلف إلي الفاتحة لتدلف إلي القرآن .. فتجد الفاتحة تلقمك كلمات الله تخرج منك أنت .. ليحصل علي عتبة القرآن الإمتزاج ..
أليس القرآن انطباق لترددات الروح مع سر الكون ..
وكأنها تعلن أنه ليس ذاك القرآن كتاب تقرأه..
إنما كتاب تحياه .. تمتزج به .. تفكر به .. 


مثنوية البسملة .. 
1- كل حركة وسكنة ونسمة وذرة تنتقل .. الكل يتم بأمره ومشيئته .. وباسمه الكون يسير 
2- لكنه يسير بالرحمة .. لا بتعسفية القواعد .. أو سلطة الهيمنة القاسية .. إنما هي رحمة (رحمانية رحيمة) رحمة الكم والكيف ....
رحمة الوسيلة والنتيجة .. رحمة الظاهر والباطن ..


فالكون كله لله وبالله .. ورحمته هي العنوان الرئيس لقيوميته ... 


يتبع .......................

ليست هناك تعليقات: