السبت، 2 أبريل 2011

القصص 2

"تلك آيات الكتاب المبين"
دائماً تلك المتتابعة القرآنية بعد الحروف المقطعة الغامضة ...
حديث عن كتاب الله .. لمحة عن الكتاب نفسه ..


وتلك من مقومات الأسلوب القرآني .. والتي لها في ذات الوقت لمحة خفية للمتدبر فيها ..
القرآن يصف القرآن في القرآن .. 
إن وصف القرآن بأنه كتاب مبين .. أو حكيم .. أو الحديث عن اعجاز القرآن نفسه إنما جاء بالقرآن نفسه ..؟؟!! 
وتلك طبيعة قدسية  .. الله وحده يمكنه أن يصف نفسه بما يستحق .. ويحمد نفسه بما يستحق ... ويثني علي ذاته بما هو أهله ..
ولما كان القرآن كلامه .. منه .. فلم يكن يسع الألسنة أن تحيطه وصفاً وثناءاً ..
لذا فوصفه منه .. وثناءه به فيه .. والتندر بإعجازه إنما جاء بين طياته هو .. إعجاز فوق إعجاز ..
وقوة استعلائية كبري .. تدهم النفوس .. لتسقط حصون الانكار .. 
وتدلف الكاريزما القرآنية .. والحضور الطاغي لكتاب لينافح عن نفسه بنفسه .. ليخاطب من النفس اوتاراً خفية .. ومستقبلات غيبية ..
مستقبلات تعلم .. أن ما يفعل ذاك إلا إله ,,
وما ينبثق مثل هذا الحديث إلا عن إله ..


وهي كذلك مقدمة .. واستهلال .. رائع ساطع .. استهلال يؤهل النفوس المستمعة أن انتبهي . فالقادم ليس قصصا عابثاً ..
ولا تندر حكائي عابر .. ولا مجرد اقصوصة الغاية منها المصمصمة .. أو العبرة القريبة ..
إنما هو منهج ضخم .. وقواعد تصور .. وقوانين كبري للاعتقاد .. واحدي مقومات البناء الدوواخل الانسانية ..
البناء بالقصة ..


واللمحة الخفية التي تلمع في: حديث القرآن عن نفسه ..
فالقرآن هو رسالة النبي .. وفي ذات الوقت هو معجزته ..
فهو المعجزة التي تحير العقول وتصيبها بالشلل لأنها تفوق معايير الإعتيادية .. فيؤمنون بالرسالة .. التي هي ذات المعجزة !!!
كما أن القرآن هو الهادي .. هو الهدي .. هو السبيل .. وفي ذات الوقت هو ذات الهداية .. وهو ذات الغاية ..
فهو الهداية والطريق إلي الحق .. وهو في ذات الوقت هو ذات الحق .. يهدي بنفسه إلي نفسه ...
نسق متكامل .. متناسق مع نفسه .. منسق لكل من دلف إليه  ..
فكيف يتسغرب أن يتحدث بنفسه عن نفسه ..
وأن تكون تلك سمة متتابعة الحروف المتقطعة ..



والمبين صفة ذات قطبين ..
فهي تخرج في الذهن صورتين ذهنيتين .. الأولي السطوع .. والوضوح .. فلا التفاف .. ولا غموض .. ولا حاجة للوساطة والترجمات والشروح والتفاسير مع القرآن .. فهو المبين ..
وصورة أخري كاسم فاعل .. بمعني الهداية والتبيين ..


وهي بهذا الصفة الأقرب لحالة حديث القرآن عن ذاته ..
وذاك من الإعجاز التكنيكي في القرآن ..

تري هل تلمح تلك الطبقات السردية .. layers 
فهي جملة واحدة .. بدأت بحروق مقطعة .. تلعب علي طبقتين .. طبقة اللفظ المجرد .. وطبقة النغم الداخلي المداعب لأشياء فينا لا نعيها ...
ثم حديث القرآن عن ذاته .. يلعب علي طبقتين .. طبقة بيان لفظي باقرار أن القرآن كتاب الله المبين ..
وطبقة داخلية يداعبها أن المتحدث هو القرآن نفسه .. وأن البيان جاء في ذات المبين .. تحيلنا إلي حقيقة هداية القرآن بنفسه إلي نفسه ..
وذاك يدلف بنا لي طبقة نفسية أعمق .. حين يشعرنا باكتفاء القرآن بنفسه ... واكتفاء منهجه حتي في وسائل هدايته نفسه بذات المنهج .. فالقرآن باعجازه يهدي إلي القرآن بمنهجه .. والكل قرآن ..
وذاك يجحملنا إلي طبقة أخري .. وهي طبقة الاكتمال .. فالقرآن اكمال للديانة السماوي بصورها القديمة .. والنسخة الأخيرة من مراحل تطور الديانة .. لا تطورها لأنها كانت تحتاج إلي تطور .. وإنما لحاجة البشر أنفسهم أن يتطوروا .. لذا فهي فقط كانت تنتظر تطورهم هم .. والقرآن هو البيان السماوي الأخير .. والصورة النهائية للتصور ..

وذاك التدبر نفسه يجعلنا نضع كلمة المبين في اطارها المعنوي بقطبيه ..
قطب الوضوح ..  وقطب الإبانة ..
قطب المنهج .. وقطب الهداية ...

طبقة .. نفهم فيها أن القرآن واضح ساطع جلي .. وطبقة نفهم فيها أن القرآن هو الهادي والدليل والنور الذي يستدل به في ظلمات التيه ..


إ، التدبر القرآني ليس إلي غوص في الحالة التي تغمرنا بها الآيات ..
تحليق معها حين ترفعنا بصورة ذهنية ما تدلف مع الكلمة والنغم والاتفاتة إلي طبقة .. وغوص معها حين تحملنا الجملة الكلية وتكنيك السرد .. والمتشابه والمختلف والإحالة والحمل المعنوي للفظ المستخدم إلي طبقات أخري ..
التدبر ليس سوي محاولة الإمساك بالصورة كاملة .. 
صورة السورة ...من العنوان .. للآيات .. للترتيب .. للعدد ..

ياله من اسم .. سورة .. كسور .. كبرواز يمسك الآيات والتراتبية والصور داخلها .. كعقد يلم حبات .. 
والتدبر هو الإمساك بحقيقة السورة .. صورتها الكاملة ..
أن تغلق السورة .. لست فقط متمعناً في آيات علي حدا .. أو معاني مختلفة .. لها أثر جد عظيم .. لا ننكره ..
وإنما أن تغلق السورة وقد تشربتها .. درت فيها كقصر واسع ارتسم في ذهنك خرائطه .. واحطت بسراديبه .. غصت في دهاليزه .. وركبت مصاعده .. 
وخرجت وقد خبرته ..


...............................
نتلو عليك من نبأ موسي وفرعون بالحق لقوم يؤمنون 
دخول فوري إلي القصة .. وذاك قلما يكون في القصة الطويلة في القرآن إلي في سورتين .. القصص ويوسف 
وتلك إحالة قرآنية ..
فذاك الأرتباط الذي ارتفع في الذهن بمجرد البداية السردية السريعة دون مقدمات بين يوسف والقصص .. هو ارتباط مقصود
ارتباط يحيلنا إلي مقارنة مطلوبة بين يوسف وموسي ..
مقارنات سيتجلي اثرها خلال الخوض في السورة هنا آية بعد آية .. ليرسم في النهاية صورتين كبيرتين ويضعهما معاً في مجموعة عصبية واحدة في المخ البشري ..  صورة البناء اليوسفي والبناء الموسوي 

وهنا نوع سردي من أنواع السرد القرآني .. تعريف بالشخصيات .. وخلفية تاريخية للقصة ..

موسي وفرعون .. ثم مصر قبل موسي 
وذاك غير تكنيك السرد المتبع في قصة يوسف حيث بدأ السرد بأن تفتح الستارة علي حلم .. غامض بشمس وقمر ونجوم يسجدون لطفل صغير .. يروي حلمه لأبيه .. رباه .. ما أجمل طعم القصة .. ببداية مشوقة كتلك .. لذا لا عجب أن نجد المستجدين علي الإسلام .. والأطفال يعشقون سورة يوسف دون أن يدون لماذا ..
لقد استخدم ربنا في القرآن تكنيكات سردية .. التدبر فيها وحد من وجهة نظر أدبية .. يصيبنا بالثمالة .. بالدوار .. بالتلذذ ..


وفي القصص .. وكأنه يقول كان ياماكان .. كان فيه واحد اسمه موسي .. وواحد اسمه فرعون ..
لم يقل أيهم من .. ومن البطل .. تماماً كتشويق حكايا الصغار ..


ثم خلفية تاريخية ... لو دلف إليه مباشرة لضاع التشويق ..
فلو قال مثلاً إن فرعون علا  واستعبد واستضعف .. لما انتظر السامع ظهور موسي ..
لكنه بتلك الآية .. آية نتلو عليك ..
خاض بعدها في طغيان فرعون والكل ينتظر .. من موسي .. ومتي يظهر .. 

وحين يظهر .. نعلم أن لهذا الطفل شأن ما في الحكاية .. ننتظر متي يكبر ..
ولولا أن قال نتلو من نبأ موسي وفرعون .. وأعلمنا من البداية أن موسي وفرعون هما الخصمين .. وأن بينهما معركة ما .. وأنهما طرفي القصة ..
لما شهقنا مع التابوت الخشبي الذي يفتح في بيت فرعون ليجد فيه موسي .. ولما تعلقت العيون بسكين فرعون علي رقبة موسي في قصره .. وتدخل العناية الربانية بالانقاذ .. كذبيح جديد .. وكعهد الأنبياء مع الفداء منذ اسماعيل ..
ولما ارتفعت علامات التعجب من ذاك الانسجام الأولي لموسي في بيت فرعون .. الانسجام الذي استوجب علي خلاف سورة يوسف تدخل اللفظ ا"استوي" علي الآية المتشابههة بينهما ..
ولما بلغ اشده اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين ... سورة يوسف

ولما بلغ اشده واستوي اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين .. سورة القصص 


موسي يتربي في بيت العدو .. في بيت فرعون .. ومهما كان المصير المنتظر إن للتربية والبيئة المحيطة عواملها.. 
فكان لابد من الاستواء .. استواء يوحي بالتنظيف من أي ما قد يكون قد علق به من تلك البيئة .. ومن هذه التربية ..
أما يوسف فيتربي في بيت يعقوب .. نبي ابن نبي ابن نبي .. فأي شيء يمكن ان يعلق به ؟؟؟!!ـ

إن هناك طبقة تدبر خفية في سورة القصص .. وهي اسلوب الحكي ذاته .. التسارع الزمني حينا له مغزي خفي .. والتباطؤ في وصف بعض الأحداث حينا له معني مغمور .. لايجب أن نغفل تلك الطبقة في الحديث عن سورة القصص 

وإلا فكيف بنا هنا نفهم اسم السورة نفسها .. القصص 

إذا سمي الله السورة بالقصص .. فلتنخرس ألسنة التنظير الأدبي .. ولتصمت أقلام النظريات الروائية .. وليجلس الجميع كتلاميذ أمام السرد القصصي الرباني .. ولتنفتح اقسام الجامعات لتدريس الحكي القرآني .. والالتفات .. والعقدة .. والشخصيات .. والنمو .. والتشويق .. والغاية .. والرسالة .. فحينما يحكي الله .. إنما يحكي من يحكي بعده بما لديه من صفاقة 
افبعد حكايا المولي الحق .. هل من حكايا 

يتبع .....................

ليست هناك تعليقات: