الاثنين، 4 أبريل 2011

القصص 3 (الآية 4-6)

" إن فرعون علا في الأرض وجعل اهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم "
ولأنها سورة القصص .. فلا تقرأها كغيرها .. فهي تحمل جانباً تصويرياً لا يجلب آثاره دون عيشه متصوراً حاضراً .. بشخوصه وحركاته .. بالصوت واللون .. بسرعة الحركة حيناً وتباطؤها حيناً .. وايقاف المشهد حيناً ليدلف صوت الراوي المعلق علي الحدث حيناً ..


وكمشهد حركي سريع صامت تبدأ الحكاية ..
فتخيل تلك الشاشة السوداء في البداية وصوت في الخلفية ينبئك أنك ستسمع حكاية موسي وفرعون ..
ومع اسم فرعون تبيض الشاشة لـتأتي بمشهد صامت سريع علي الوضع .. فرعون عال في الأرض ..


وكعادة الفراعين .. علو منبثق من تحطيم القاعدة المحكومة .. تجزئتها .. تفتيتها .. تشييعها ..
الفرقة ذنب الجماهير .. وخطيئة الأتباع الدائمة ..
التشيع .. والتحزب فتنة الفتن .. معول الهدم الاعظم .. وسلاح النخر في عظام الأمم ..
مجرد النظر إلي الأحوال يصيبك بغصة خانقة .. هؤلاء جميعهم يتفقون علي مبادئ اساسية .. جميعهم مستضعفون ..
جميعهم مهزومون .. جميعهم طيبون يمثلون البياض ..
ورغم هذا .. وبكل سخرية الكون .. ينشغلون بمناوشات بعضهم ..
ينشغلون بمكانهم في الصف عن المعركة الدائرة ..
ينشغلون بلون الفرس .. وعدد أزرار الزي .. وجواهر الغمد .. وعدد احزمة الدرع .. 

ينشغلون بقضايا الأمس .. ومعارك الأمس .. وفتن الأمس ..
تمضي الأعمار .. وذاك لم يزل منشغلاً بلعن معاوية ... وذاك لم يزل منشغلاً بالدفاع عنه ..
وقد مضي معاوية .. والفريقان يلبسان الأبيض .. 
والأسود هناك علي الثغر .. باسم الثغر ..


وصوت النبي .. النبي .. ذاك القرار الأبيض في أذهان الجميع .. لم يزل في الأفق يدوي : لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ..
ونتن الدعوي للفرقة لم يزل ريحها محفوظاً للنفرة علي لسان المحذر الابيض : دعوها فإنها منتنة ..

وشحوب غصته وحسرته وألمه لم يجد واعياً في نداءه : إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلي يوم القيامة ..


ودعواه المردودة .. وهو النبي .. فقط لتنبهنا .. هنا لم تستجب دعوة النبي فاحذروا ..
هنا وكلتم إلي أعمالكم فاحذروا ..
سألت الله ألا يجعل بأسهم بينهم شديد .. فمنعنيها ..


ويحكم .. هي مهمة الفراعين الكبري .. فراعين الأمس واليوم .. 
علا في الأرض .. استغل علوه .. استغل اعلامه .. وقوي انتاجه .. سيطرته ..
ليفرق .. فيزداد علوا..
فالبتشويش .. والتفريق .. والتشييع .. فقط لن توجد منهم قوة تهز عروشه ..
فلا يقلق الفراعين سوي جموع موحدة الكلمة ..
ولا ينغص عيش السواد .. سوي ملاحظة جموع البياض لبياضهم المشترك ..
ولا ينغص نوم الشيطان .. سوي أن يجد المؤمنين ولو قاعدة واحدة ليتفقوا عليها ..



يستضعف طائفة منهم ... 
فإذا تفرق القطيع اصبح الصيد اسهل .. 
وإذا انقطع المدد .. وشحبت النصرة .. صارت الفرائس اشهي ..
تماما كحالنا ..
تداعي الأكلة علي قصعتها .. 
قصعة الاسلام الشهية ..
أو من قلة ..
لا والله بل كثير .. ولكنكم غثاء .. كغثاء السيل ..
أنتم جموع كثر .. أنتم الجمع الأكبر .. 
ولكنكم كزخات المطر .. كل قطرة تمضي وحيدة ..
وما اقصي ما يفعله المطر بالصخر سوي ان يبلله ..
رغم أن موج البحر من قبله فتت الصخور ..


يذبح ابناءهم .. 
هي اشارة لذاك الخطر المحدق بموسي الجنين ..
ففي صورة ذهنية فيها ذبح الرضع .. 
حين يولد موسي لن نحتاج أن نفكر في سبب خوف أمه .. 


ويستحيي نساءهم ..
هي صورة قرآنية جميلة .. عظيمة الأدب ..
فدخول الألف والسين والتاء علي الفعل يأتي بمعني الطلب ..
فيتستسقي .. اي يطلب السقاية ..
ويستحيي .. أي يطلب حياءهم ..
وهنا تأتي أفعال الفرعون بلا مدي محدود .. هو يطلب من النساء كل ما ارتبط بحياءهم ..
وهنا يوقن الذهن بمدي نتن ذاك الكرسي العالي ..


هو لم يفسر .. لم يقل كما يروون يغتصب .. او يتحرش .. او .. او  .. 
فقط يتسحيي .. مضاعفة الياء .. حملت وحدها كل ما يمكن للذهن ان يتخيل .. دون ان يغادر القرآن أدبه البليغ بحرف ..


" إنه كان من المفسدين "
كعادة القرآن .. وكعادة التصور الإسلامي .. لا يصفه وحده .. بكون فاسداً ..
لم يقل يوماً غنه كان فاسقاً .. أو ظالماً .. أو مفسداً ..
دائماً يضعه في حزبه .. الأسود ..
دائماً يري السواد والشر حزباً .. والبياض والخير حزباً ..
فنجد ذاك ملمحاً واضحاً من ملامح الوصف القرآني ..
من الصابرين .. من الصالحين .. من المتقين .. من الظالمين .. من الفاسقين ..


فالأمر لا يعدو معسكرين .. حزبين متنازعين ..
لا يوجد توجهات فردية .. 
ولكل وجهة هو موليها ... 
كل الناس يغدو ... 
وهناك غاديين اثنين كما جاء في الحديث ..
موبقها .. او معتقها ..


فليس المستقر سوي مستقرين اثنين بلا ثالث .. 
جنة .. ونار .. 
ففي أي المعسكرين انت ؟؟


وهنا تقف الصورة لوهلة ..
ليدخل صوت خلفي دافئ ..
صوت يوحي بأنه ليس فقط ما يحدث في الظاهر هو ما يحدث حقاً ..
وأن هناك عالماً ثرياً .. خفي .. هو عالم الغيب .. هو مطبخ القدر ..
هو ذاك القضاء الذي يحضر بصورة ما .. قد يخفت فهمها علي المتقصي ... 
ولكنه هناك ..
يد الله تعمل في الخفاء ..
وحكمة الله تقدر ما تشاء ..
نعم .. ذاك المشهد الحالي . وربما هو ما سيتكرر خلال عدة أعوام تالية ..
ولكن هناك في عوالم الإرادة الربانية النافذة .. واقدار الحق الحكيمة .. هناك مشيئة ما يتم تحققها ...
وقصة موسي الفرد .. ليست اقصوصة شخص .. إنما حكاية أمة باسرها ..
وتقديرات بسيطة في حياة ما علي عين الله .. تغير وجه التاريخ بأسره ..
"ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة "
هو الله يريد .. ولا حدود لإرادته ..
هو لايريد مجرد حصولهم علي العدالة .. أو المساواة .. أو الانتقام من الظالم ..
هو يريد رج ذاك المشهد كزجاجة من الماء والرمل ..
يريد قلب الموازين .. المستضعفون يصيرون ائمة .. قادة .. علاة .. 
ولا حدود للقدرة .. كما لا حدود للإرادة .. 
وذاك من قوانين المولي ..
هي ربتة حانية علي كل مستضعف .. وكل اقلية .. وكل مهضومي الحق في الكون ..
اذا كانت الارادة في صفهم .. 
فالامر مسألة وقت .. والتدبير موكول إلي الأقدار .. والإمامة واستاذية الكون في الأفق لكل موقن غير سطحي النظرة ..
ولا مجال لليأس بحجة قراءة الواقع .. 
يالعبثية التنهيدات امام الوضع الاسلامي ..
كل ما يجب التركيز عليه ان تكون الارادة في صفنا .. ان نستحق تلك الارادة بالامامة ..
وحينها ..
ونجعلهم الوارثين ..
ونمكن لهم في الأرض ..


ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ...

ليست هناك تعليقات: