الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

سورة الأعراف (الحلقة الثالثة) 4-9

الأعراف كما ذكرنا تقوم علي مرتكز واحد وهو عرض الفريقين .. والوقوف بالاطلاع المضيء بينهما .. ((حالة الأعراف))
وتتميز عن غيرها من السور ببضعة ميزات .. منها حالة الأممية .. والتركيز علي الجمعي أكثر من الفردي ..
فنجد فيها تكرار لكلمة أمة .. وقصص الأمم السابقة .. فهي سورة للمسار الجمعي اكثر من كونها سورة للمسار الفردي ..
هي سورة للتزكية الجمعية للأمة بأسرها .. التزكية الجمعية كحالة إيمانية تسري في الجموع لا بقصد التشريع المجتمعي ..
"
"وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون "
وذاك أحد محاور السورة .. كما ذكرنا من قبل .. التصور الإيماني في التاريخ .. في حياة الأمم وآجالها وأقدارها ..
تلك اية محورة إجمالية .. سيأتي تفصيلها في ذكر بعض تلك القري والأمم الهالكة ..

هو البأس الرباني يتسلل .. العقاب النهائي يدلف علي حين غفلة ..
تماما كغفلتهم المعنوية.. كغفلتهم عن آيات الله واستمرائهم للعصيان وألفتهم لحياة الدعة والخمول والروتين الدوار .. يأتيهم العذاب في احدي غفلتين .. غفلة الليل الإضطرارية لأجسامهم بالنوم .. 
وغفلة النهار الإرادية بالقيلولة ..

فلتحذر من طول الأمل .. والاغترار بحلم الله .. فعقاب الله من خواصه المباغتة .. وأنه لا يأتيك حين تنتظره فانتظاره دليل علي بعض الحق فيك ..
ولكن احذر ذاك الاستدراج .. ألا ينزل العذاب عليك بالعصيان .. فيخفت انتظارك حتي يتلاشي .. فتألف العصيان ..
وحينها فقط .. حين تغفل .. حين تسقط تحصنات استعدادتك .. وبقايا التوبة فيك ..
حينها فقط .. حين تنكشف مواطن الضعف فيك .. حين تكون مشكوفا تماما .. غافلا تماما .. حين تكون في أوج نجاحاتك ..

في أوج انسيابك في سنة الغفلة .
حينها ينزل العذاب ..


وربما ينزل حين لا ينفع نفس ايمانها .. مصحوبا بالغرغرة حين لا تنفع التوبة ...

"فما كان دعواهم إذا جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين "
هو اعتراف يحسم القضية .. اعتراف تم انتزاعه من المناطق المظلمة من النفوس .. من السراديب الللامأهولة ..
اتعراف خارج عن التنمقات والتجملات .. خارج عن استكبارهم .. خارج عن الهيئة والرسم والوصف والمكانة الاجتماعية ..
اعتراف حين يتعري الضعف البشري أمام العذاب الذي يناسبه ..
فمن خلقه يعلم جيدا كيف يعريه ..
فبأس الله يعرينا .. يكشفنا أمام أنفسنا ..
يسحق حججنا .. ومبرراتنا .. وتجملاتنا .. ومجاذبات الشهوة فينا ..
بأس الله يوقفنا أمام مرايا شفافة .. يضعنا علي موازين الحق ..
يجعلنا نحن الحكام بعد أن يمنحنا معياراً حقيقية ويسحق ماعداه من معاييرالزيف والخواء ..

بأس الله يجعلنا نعلم ما يستحق .. ومالا يستحق .. فما يستحق ليس سوي ما كان الحق من سماته (يستحق - حق ) .. ما يستحق ليس سوي ما كان حقيقياً في ذاته .. وليس من حقيقي سوي ما يبقي .. وليس ما يبقي سوي ما كان من الآخرة أو للآخرة ..

بأس الله يعرينا .. ويعري دنيانا ..
يمنحنا أكواداً ومفاتيح لأبواب الحيرة .. يعلمنا شفرات ما استغلق علينا من الأسئلة ..
فأحيانا تبقي كثير من الأسئلة معلقة .. حتي ينزل البلاء .. حينها فقط نتمكن من الإجابة ..
وحين يرفع البلاء نعود لننسي .. أو نتناسي ..
بأس الله يكشف الغطاء .. فتتجاوز ابصارنا حجاب المادة والغفلة وبريق الزيف .. إلي عمق الحقائق ..

اتدري ايها الإنسان ما أنت حقا؟؟ .. انظر إلي نفسك في عمق البلاء ..
اتود أن تعلم اجابات اسئلتك المعلقة .. لا تحاول الإجابة عليها برفاهية الغفلة .. إنما حاكمها بواقع البلاء ..

إن الإجابات الصحيحة .. لا تخرج إلا في البلاء ..
لكنها احيانا تخرج .. في البلاء الأخير .. حين لن تنفعك الإجابة ....

" فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين . فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين " 
كعادة الأعراف .. كمرتكزها  .. رسم الصورتين بحيادية .. وبمجرد النقل الكامل للصورة يحدث الحكم المنطقي .. فهو حكم دون حكم ..
بسؤال الأمة .. وسؤال الرسول .. حين انكشاف الزيف .. حين لا سبيل للكذب .. حين تتعري الحجج .. وقتها يحصل الحكم العدل .. ويرضي به كل الأطراف ..
فلن تسمع يوما عن رجل من أهل النار ينادي بأنه كان يستحق الجنة .
تقف حالة الأعراف بين الرسول وأمته ..
بسؤال الطرفين .. بإكمال الصورة .. بالإجابة علي التساؤلات العالقة ..
ليس سؤال عن جهل حاشاه .. وليس سؤالا استفساريا استعلاميا .. إنما سؤال اقامة الحجة .. سؤال رسم السورة وتحديد معالم القصة علي ألسنة معايشيها أنفسهم .. واخراج الحكم منهم ذاتهم ..
هو سؤال عن علم وحضور .. بعلم .. وما كنا غائبين ..

" والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون . ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون"
وداعا موازين الدنيا المقلوبة .. وداعا معايير الخواء والإدعاء .. وداعا للغثاء الثقيل .. والزبد المتراكم ..
هناك الميزان الحق .. حيث ساقي ابن مسعود أثقل من أحد .. وحيث الرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة كما في الحديث ....
هناك حيث درهم اثقل من الف درهم .. وحيث كلمة اثقل من سبعين سنة .. وحيث ركعة ارجح من ألف ركعة ..
هناك حيث المعنوي يتجسم وزنا ..
حيث يوزن الصدق ..
حيث إيمان ابي بكر يرجح إيمان أمة بأسره .. بم ؟؟ .. بشيء وقر في صدره ..
حيث يوزن شيء ابي بكر .. ؟؟ .. حيث جناح بعوضة اثقل من دنيانا .. كما في الحديث ..
حيث كلمة صدق ارجح من كتب مجلدة فاخرة الطباعة .. وحيث حرف لفظ بصدق ارجح من الاف الخطب الحنجرية الرنانة ..
حيث أعمال كالجبال لا تزن الذرة يومئذ .. حين تجعل هباءا منثوراً .. لأناس إذا خلوا بالمحارم انتهكوها ..

حيث الصدق هو العملة الرائجة .. هو الورقة الفائزة ...
حيث القلوب هي المعيار لا أجساد وحركات ..
هو الوزن الحق .. والفوز الحق .. والخسران الحق ..
المفلح من أتي بالأثقل صدقاً .. والخاسر هو ذاك الذي ظلم نفسه بالاستكبار عن الحق والارتماء في ركام الزيف الفارغ ..

 هل اعددت في دواخلك شيء منك قد يوزن ..؟؟ .. هل لديك من نفسك ما قد يرجح ؟؟
هلا حاسبت دنياك بميزان الآخرة لعلك تحمل بضعة جرامات صدق تنجو بهم هناك
.................... 

ليست هناك تعليقات: