الخميس، 15 سبتمبر 2011

سورة الأعراف (الحلقة الرابعة) قصة آدم وابليس 1

قبل الدخول إلي قصة آدم .. يعمد القرآن إلي رفع الواقع .. وإحالة الواقع عبر الأزمنة ورده إلي الاصل الأول .. إلي حقيقة الصراع القديم


"ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون"
هو رفع للواقع الحالي يتجاوز باتساع الحمل المعنوي لألفاظه حجب الزمان والمكان ..
حالة التمكين للبشر في الأرض .. سيطرة الإنسان .. أو شعوره الواهم بالسيطرة علي الأرض .. انخداعه بالتمكين .. وألفته للمعايش فتوهم بقاءه وخلوده ..
لم يرد البشر حالة التمكين التي تزداد يوما بعد يوم إلي رب الأرض والسموات ..


أحياناً نتساءل .. هل كان بإمكان العقل البشري وحده دون إلهام وتوفيق وتمكين رباني أن يصل إلي اكتشاف واحد أو أختراع واحد مما توصل إليه ..
إن المنطق العقلي أحياناً لا يتمكن من تصديق حالة التمكين العجائبية التي وصل إليها البشر علي الأرض ..
ولا يتمكن أحيانا من استيعاب أن بعض النظريات أو الإكتشافات هي نتاجات عقول البشر .. دون بناء علي علوم مسبقة ..


فقط التصور الإسلامي يرد العلوم والفنون وحالة التمكين الحضاري الشاسع الحالية والمعايش (وسائل تسهيل العيش) إلي التوفيق الرباني والقدر الإلهي في أمة الإنسان ..
الله هو المعطي الغائب دائماً في معادلات الإنسان .. في تصوراته وتفسيراته .. لذا تبقي كثير من أسئلته بلا أجوبة .. والعديد المتزايد من مشكلاته بلا حلول ..
الله هو السر الذي تنفك به شفرات الكون المستغلقة .. وتنفتح به السراديب المدفونة .. ويتسق به التصور البشري مع الكون ومع نفسه ..
الله هو ما يجمع خيوط الكون بأسرها معا .. ما يضفي علي الكون والحياة والخليقة معني وغاية وتفسير موزون ..


واي محاولة لفلسفة أو تصور يغيب فيه الله عنه .. ستكون عبث بلا طائل .. وأفكار تائهة شريدة مبعثرة لا جامع بينهما .. وإجابات تمنح المزيد والمزيد من التساؤل ..


ايما سؤال أعياك .. ابدأ دائماً في الإجابة من الله .. حتما ستتضح الصورة .. ويتسق التفسير ..


ولكن قليلا ما تشكرون ..
شكر .. رد النعمة إلي منعمها .. والملكية إلي مالكها .. وحالة التمكين إلي إرادة الله التمكين للبشر ..


ثم عودة إلي الزمن القديم .. أو ربما إلي ما قبل أزمنة البشر .. عودة لتأصيل التصور البشري ..

هو إحالة ورد مرحلة التمكين إلي مرحلة التكوين ..
"ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس لم يكن من الساجدين "
الخلق ايجاد من عدم .. والتصوير احالة من حالة لحالة ..
إرادة الله في الإيجاد .. وإرادة الله في الصورة الآدمية الحالية ..


وابليس ذاك لم يكن من الملائكة .. بل كان من الجن .. مخلوق من نار .. ولكنه رفع  في الدرجات حتي صار بمنزلتهم .. فنسب إليهم وجمع معهم في الذكر..
فعند الله ليست الأوصاف والنعوت بالقومية والانتساب ..  فالملائكية نعتا لمن حمل صفتهم ..
ولو تخيلت هذا لعلمت وطأة اللفظ اهبط منها ..
نعم هو هبوط من منزلة الملائكية .. ومن حضرة القرب .. ومن مكانة الولاية ..  ليس فقط هبوط من السماء إلي الأرض .. أو من الجنة إلي الدنيا .. فذاك خروج .
وذاك هو المعني في مرافقة اللفظ اهبط للفظ اخرج ..


الملائكة تسجد لآدم .. ياله من تكريم ... إن كلنا يسعي لحالة الملائكية .. للكمال الملائكي ..
ولكن الله يحفر في أذهاننا صورة .. صورة الملائكة ساجدة لآدم ..
فالملائكة مجبولة علي الطاعة .. مجبرة عليها .. ليس لها اختيار ..
أما الإنسان فقد حمل داخله نفخة من روح الله .. نفخة اكسبته بضعة من إرادة .. من حرية .. من الطاعة انطلاقا من المحبوبية لا القهر .. الطاعة انطلاقا من الطواعية .. من الائتمار الطوعي .. لا من التسيير الجبري ..
وذاك عند الله أحب .. واكرم ..

إن الله يحب من يطيعه وهو قادر أن يعصيه .. بل يرفع من كانت المعصية منه اقرب ورفضها طواعية لله ..
وتلك حكمة بالغة وأمل منقذ لأهل الابتلاء بالذنوب ..
فإن بعض ممن ابتلاهم الله بذنب او أكثر .. يتمني لو رفع عنه الذنب .. أو حفظه الله من نداءات الشهوة .. واخرس منطلقات الرغبة فيه .. ويتمني البعض العصمة ..
لا يعلمون أن ترك الذنب طواعية لله وهو ميسر .. متحققة أسبابه .. ممهدة سبله .. متعالية نداءاته .. احب عنده من ألف طاعة ملائكية قسرية ..
وترك الذنب بعد الاعتياد عليه لله .. ربما يحملك إلي مقامات لم يصل إليها من اعتاد الطاعة ..
إن الذنوب أحيانا تكون سبل الوصول .. تحمل لك مفاتيح الدخول لحضرة الولاية ..
فما التقوي إذن إن لم يكن للذنب نداء .. ولسبيله غواية ..
وما طعم الجنة إن لم يكن قبلها جهد وعناء ...
إن المذاقات نسبية ياسادة .. فذات الطعام يكون اشهي بعد الصيام .. ونفس الشراب يصير أحلي بعد العطش ..
والجنة من جماليتها ماكان في الدنيا من الجهد وحمل النفس علي المكروه .. فلا تسلبوا الجنان بعض جماليتها ..

"لم يكن من الساجدين "
هكذا هو التوجه الابليسي .. والنفسية الإبليسية .. والشعور الابليسي العام نحوك يا ابن آدم منذا الأزل ..
لن نقولها كما كانوا يرددونها لنا في المدارس الابتدائية .. ابليس يريدنا أن ندخل معه النار ..

الأمر أكبر من هذا .. هو لايريد لك رفعة من اي لون .. يكره ارتقاءك .. يحزنه تقدمك ..
أتدري ماهو أكثر ما يغيظه .. ويسعي طاووس الملائكة القديم لمنعه بكل جهده ..
أن تكون أقرب من الله ..

فما حقيقة لعنته وطرده .. سوي ولاية الله القديمة لآدم ..
إن ابليس لا يسعي لافساد الأرض .. فهو لايعبأ بالأرض ..
إنما يسعي لافساد علاقتها بالسماء .. يسعي لقطع الاتصال بالنور ..
يسعي لكلمة وحيدة سمعها وحده مرة .. ويريد أن يسمعها آدم كل لحظة .. كلمة اهبط .. اهبط .. اهبط ..

لو كان ابليس جنيا مخلوقا للغواية منذ البدء لكان أهون علينا ..
ولكنه كيان ذاق القرب .. ذاق طعم السماء .. لمس هول الحضرة ..
ثم هبط ...
هبط فكان هبوطه مضاعفاً ..
تماما كالغائص في أعماق البحر .. ولكن من فوق جبل ..
لن يكون ابدا كطاقة الغائص من سطح الأرض ..

وابليس كان عاليا .. كان قريبا .. كان سماويا ..
وهبط ..
هبط بحقد أكبر .. وحسد أعظم .. وطاقة أشد ..
هو يراك انت سبب هبوطه .. سبب سلبه نعيمه القديم إلي الأبد ..

يراك سبب شقائه الأزلي ..
يملئه الثأر ... ليكون هو ايضا سبب شقاءك ..

"قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "
تلك الآية تحمل لمسة جميلة كثيرا ما نغفل عنها ..
لو سئلت أحدهم لماذا طرد الله ابليس .. لأجابك لأنه رفض السجود لآدم ..
ووالله لم يفعل ؟؟
إن الله لم يطرد ابليس بعد أن رفض السجود لآدم .. حاشاه الحليم أن يؤاخذ بالعصيان هكذا ..
وتأمل كل المقاطع القرآنية التي تحدثت عن تلك الحادثة المحورية ..
دائما تجد ذاك الحوار بعد السقوط .. السؤال عن السبب وهو أعلم به ..
ولكنها لمراجعته .. عله يتوب .. عله يعود .. عله يستغفر ... لعله يسارع في تدارك الأمر واللحوق بركب الساجدين ..

بل إن تركيب هذه الأية أكثر ما يدل علي ذلك ..
فلو رأينا أن حرف لا في ألا تسجد بمعني النفي لفسد المعني لأنه سيصير .. ما منعك أن لا تسجد .. ولا شيء منع ابليس أن لايسجد .. إنما سيكون صواب الكلام .. ما منعك أن تسجد ؟؟!!
ولكن دعونا نغير أماكن الوقف .. ونقرأها هكذا كما قرأها بعض المفسرين
ما منعك ؟؟   .... (وقف) .. ألا تسجد إذ أمرتك ..
وكأن ألا هنا استفهام "وهو أعلم" ..  للحث ..
كأن تقول ألا تفعل كذا من أجلي من فضلك ؟؟

وما منعك .. يمنحه فرصة للتبرير .. للاعتذار .. للعتبي .. ولكنه لم يفعل ..

إن ابليس طرده الاستكبار .. طرده التأله علي الله .. طرده محاكمة حكمة الله بمحدودية عقله .. طرده محاولته العابثة رد الحكم الرباني ..
لم يطرده العصيان .. إنما طرده منطلق العصيان ..

وتلك الآية قد حملت بضعة سمات للأبليسية الأولي هي السبب في سقطته وشقوته .. حملت منطلقات العصيان .. التي هي اسباب الطرد والهبوط .. حينها .. وللأبد .. لابليس ولغيره ..

- إن خطيئة ابليس العظمي ..أنه قد ظن أنه لايوجد متسع للجميع .. وظن أن حضرة القرب من الله لا تكفي لكل الواردين ..
راي في تكريم آدم له إهانة .. وفي رفعة آدم حطة منه ..
وفي مشاركة المخلوق الجديد .. مزاحمة وضيق ..
ذاك منعطف الطاووسية .. وعثرة الأنا النرجسية ..
وتلك صفة قد سربها ابليس لبعض الآدميين .. فظنوا ألا متسع للجميع ,, وأنه لايوجد ما يكفي للكل ..
وظنوا أن الأصل في الحياة الطوابير .. ومن يقف أولا ؟؟ .. وأن غاية العيش التراتبية .. ومن هو الأفضل ؟؟

ومن سماته ايضا تزكية النفس بمعني الظن بخيريتها .. أنا خير منه .. وكأنه في مقابلة عمل لمدير لا يعلم شيئاً عن المتقدمين ..
تماما كبعضنا .. يرفع سيرته الذاتية إلي الله معترضا علي حكمته في وضعه المعيشي .. يتساءل عن مكانته ..
يري أنه مبخوس الحق ..

وبعضنا يري أحيانا في الإلتزام تضييعا لبعض مواهبه .. أو تضييقا علي لامحدودية الابداع فيه ..
وكأن الله حاشاه لا يعلم مدي امكاناته وقدراته ومواهبه ..
اطمئن يافتي .. واهمس للنفس "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"
"ولا تزكوا أنفسكم هو اعلم بمن اتقي "
"ألم تر إلي الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء"

كم مرة في الحياة وجدت أحدهم يقترح عليك في تخصصك وهو لايفقه فيه شيئاً .. فوجدت نفسك تري الاقتراح والمساءلة إهانة .. ووجدت نفسك تدعوه أن يأتي هو ليفعلها .. بل ربما اعتذر الطبيب عن علاج المريض المتفيهق الذي يحشر أنفه ويحاكم علم الطبيب ..
ويحنا .. كم نفعل هذا مع الله كل يوم ..
حين نحاكم اقداره .. حين نقول لو ..؟؟ .. ولماذا ؟؟ .. وماذا لو يحدث كذا ..؟؟
حين نتفيهق ونتأله .. ونقترح علي قضاء الحكمة فينا .. ونعاتب العناية الربانية .. ونعترض علي الإرادة والمشيئة القدسية ..



إن ابليس يحاكم الحكمة .. ويساءل علم الله ..
وكأنه يعيد تقييم معايير الله بمفاهيمه المحدودة .. وتلك أيضا قد سربها لبعض بني آدم ..
تراهم يتألهون .. يتفلسفون .. يعملون عقولهم المحدودة في احتواء الحكمة اللامحدودة ..
ثم يحاكمونها .. يعترضون .. يقترحون .. يقيمون .. يرفعون لله معاييرهم ويحاكمون دينه وقضاءه وشريعته بها ..
والله وقرآنه ودينه .. يستدل به ولا يستدل عليه ..
يحكم ولا يُحَاكَم ... يزن ولا يوزن ..


ومن خطاياه ايضا .. الحكم .. تعيير الأشياء والأشخاص .. القولبة ..
تلك أيضا من سمات النفس الإبليسية .. الحكم علي الآخر .. محاكمته بقوانينك ..
قولبته في قالب ووضع ملصق عليه بالمقادير والسعرات ..
أن تجعل الآخرين كعبوات في ذهنك .. ذاك كذا وهذا كذا ..
"الله يحكم بينهم "
"ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا............... كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم "

يتبع
"إلا أن يشاء الله"

هناك تعليقان (2):

محمد نبيل يقول...

" وترك الذنب بعد الاعتياد عليه لله .. ربما يحملك إلي مقامات لم يصل إليها من اعتاد الطاعة ..
إن الذنوب أحيانا تكون سبل الوصول .. تحمل لك مفاتيح الدخول لحضرة الولاية ..
فما التقوي إذن إن لم يكن للذنب نداء .. ولسبيله غواية ..
وما طعم الجنة إن لم يكن قبلها جهد وعناء ".

ما أجمل هذا التحليل وما أعمق معانيه وما أقدرها على الوصول إلى أعماق كل من ألقى السمع وهو شهيد !

وصدق الكريم العظيم حين قال : " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ " ...

وقد قيل فى هذه الآية معنيين :

الأول : أن الله يبدل السيئات حسنات بأن يوفق التائب إلى عمل الحسنات التى يمحو له بها سيئاته.

والثانى : أن الله حقاً يبدل السيئات ( معنىً ولفظاً ) فتصبح هى ذاتها حسنات إذا تاب العبد منها.

وأنا لا أستبعد على الله - برحمته التى وسعت كل شىء وبفضله الذى يؤتيه من يشاء - أن يكون المعنى الثانى هو الصحيح.

بارك الله فى مجهوداتكم وجزاكم كل الخير .

فالبال يقول...

لانوا راحتك بتهمنا طلبك فالبال عنا :)

وصف الموقع:
فالبال هو موقع الكتروني متخصص في نشر الإعلانات مجاناً، و يغطي بخدماته جميع الدول العربية
رابط الموقع:
http://www.filbal.com
سيارات, جوالات, وظائف, عربيات, عقارات, مستخدم, مستعمل, إعلان, شقق, موبايلات