الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

سورة الأعراف(الحلقة الثانية) 34-36

هي سورة الأعراف .. سورة تسري في ىياتها نكهة موحدة .. نكهة الأعراف .. سمة موحدة .. موضوع موحد .. ومرتكز واحد تقوم عليه السورة ..
هذا المرتكز يتجلي في عنوانها .. الأعراف ..
فما الأعراف إلا كيان ما .. بين الجنة والنار .. بين المآل النهائي لأهل البياض .. وأهل الظلام ..
الأعراف هو مقتطع من الدنيا .. أنموذج مصغر .. ماكيت للدنيا .. فما حياتنا الدنيا إلا تلك التمزيقة .. الدوامة .. بين البياض والسواد ..
بل الإنسان نفسه .. يحمل في نفسه الأعراف .. حين يلقي نظره إلي الحق ويصرف نظره تلقاء الباطل .. بين لمة الملك ووسواس الشيطان ..
سورة الأعراف .. هي تلك المقارنة المعقودة طوال السورة بين المتضادين . بين الزوجين .. بين الحق والباطل .. بين التحريم والحل .. بين الأمر والنهي ..
بتدقيق النظر في السورة تجدها تحمل هذا الرابط وهذا التسلسل ,,
فمثلا إن الله لا يأمر بالفحشاء .. تعقبها .. أمر ربي بالقسط ..
وقل من حرم زينة الله .. يعقبها .. إنما حرم ربي الفواحش ..
فمن اتقي واصلح .. يعقبها .. والذين كذبوا ..
مناطها .. فريقاً هدي .. وفريقا حق عليه الضلالة ..
إن سورة الأعراف .. هي أعراف القرآن .. هي التي تتجلي فيها الثنائية .. الوقوف علي اعتاب الطريقين بالتأمل .. وسنذكر ذلك بالتفصيل أثناء متابعة أيات السورة في سريانها ..
تري من أولئك الواقفين علي الأعراف ..  ولماذا لم ينتموا لأي الفريقين ..
وهل هناك منطقة وسطي بين البياض والسواد ..
لكي يتضح موقف أولئك الأعرافيين .. ندلف إلي التصوير القرآني الللازمني .. لحقبة ما من حقب الآخرة ..

" ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "
يرتكز التصور الإسلامي للتاريخ علي فكرة أن الأمم كالأفراد .. لها أقدارها الخاصة ..
لها آجالها .. تقديرات الله فيها ..
ليس قدر الأمم نتاج مجموع أقدار أفرادها .. كما ليس تشريعاتها مجموع الأوامر والنواهي الفردية ..
إنما للأمم أقدار متباينة ومتداخلة مع مقدرات اللأفراد .. وتشريعات خاصة منفصلة عن التشريعات الفردية ..
فنسمع عن فروض الكفايات .. وفرض العين .. وفرض الجمع ..

التصور الإسلامي يري الأمة كشخص اعتباري بالمصطلح القانوني .. يقوم ويسقط .. وينجح ويفشل .. ويعبد .. ويتقي ويعصي ..
يحل عليه السخط .. وينال الرضا .. شخص له عيوب وميزات .. نجاحات وفضاءل .. كما له هفوات وفجرات ..
شخص اعتباري لابد له من تربية جمعية ربانية .. وتزكية خاصة تقوم علي ارادته هو ..
هكذا ينظر التصور الإسلامي إلي التاريخ وإلي الأمم ..
وهكذا يحاكم الحضارات .. بمفهوم الشخص الإعتباري ..
الحضارات كالشخوص .. لا خير محض ولا شر محض .. بما فيها الحضارة الإسلامية والأمة الإسلامية القديمة ..

كثير منا تنتابه الشكوك حين ينظر في تاريخ الدولة الإسلامية .. شبهات ترتمي في عقله .. لأنه لم يحاكم التاريخ الإسلامي بالتصور الإسلامي ذاته ..
لم يحاكمه بمفهوم الشخصنة الإعتبارية ..
بمفهوم السيرة الذاتية .. تماما كما ننظر إلي تاريخ الأفراد .. فنري يد الله تعمل .. ترفع وتضع .. بحكمة ..

إن حكمة الله لم تغب يوما عن الحدث التاريخي .. فلم يحدث في كون الله ما هو خارج عن مشيئته الكونية .. وإرادته التدبيرية .. حتي وإن لم يكن في معيار الحب والبغض .. والرضا والسخط موافقا لرضاه .. ولكنه لم يخرج يوما عن مشيئته وحكمته ...

الأمم كالأفراد .. إذا جاء أجلها .. لن ينفعها فكاك وفرار .. لن ينفعها مداواة وانعاش .. لن ينفعها إيمانها إن لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ..
لن تقدم ولن تؤخر ..
الأمم كالأفراد .. قد تمرض قبل الموت .. وقد تتوعك .. وقد تشيب ..
تفتر وتشتر .. تشب وتغفل ..
الأمم كالأفراد .. تأتيها رسائل إيقاظ وهتافات هزة ...
الأمم كالأفراد .. تنزل بها بلاءات استرجاع .. فمنها من يفيق .. ومنها من يستمر في غفلته ..
الأمم كالأفراد لها شهواتها ومحارمها .. بل لها شيطانها الموسوس .. وملاكها السابح بالخير محفز ..
ذاك  هو التصور الإسلامي عن الأمم والحضارات .. والتاريخ ..

"يابني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقي واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "

هو نداء للأمة الكبري .. أمة الإنسان .. فالإنسانية أمة في ذاتها .. أيضا لها أقدارها .. ((إلا أمم أمثالكم ))
هو نداء تذكيري بوحدة النفس الإنسانية .. وحدة المصدر .. وحدة الأب .. وحدة الشهوة والصفاء معا .. ناداهم بآدم .. الذي قد ذكر قصته مع ابليس منذ قليل .. وكأنه يحيل الذهن إلي أنكم أبناء هذه القصة .. وهذا الصراع ..
أنكم ابناء النسيان والتوبة .. ابناء الاغترار بالمقاسمة الشيطانية للثمرة المحرمة .. تغترون دائما بمن سبقكم في القضمة .. فتظنون أن بقضمته الأمان .. فتسيرون علي خطاه .. حتي تتبعونه هبوطه محسورا ..

هو النداء الثالث لبني آدم بذات الصيغة في السورة .. فالسورة تقوم علي اظهار الفريقين فريق النور وفريق الظلامية .. وتضعك بحيادية علي رسم صورة كاملة لمعتقداتهم وعيشهم ومآلهم .. تصنع لك الإختيار المضيئ .. اختيارا عن معرفة كاملة ..
تضعك أمام النجدين .. نجد الشكر  .. ونجد الكفر .. (وهديناه النجدين .. إما شاكرا وإما كفورا)
ولهذا فقد اغرقت في التاصيل .. فعمدت إلي قدم الخليقة .. واصل الصراع .. إلي وقت ولادة الظلام الإبليسي المستكبر علي الأمر.. وصراعه مع قوي النور الساجدة ائتماراً وطاعة .. والواقف بينهما آدم كأعراف حديثة التشكل ..
  بعد النداء الأول .. يابني آدم لا يفتننكم الشيطان ..  نداء تحذيري من طريق الظلام وقائده .. يأتي نداء تحفيزي لاتباع قادة طريق النور ... يابني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ..
وكعادة الأعراف .. تضعك في الاختيار .. ترسم لك الطريقين دون أن تامرك بصراحة اتباع ايهما ..
فنجد تصميم الآية لا يحوي أمرا بالاتباع ..
إما يأتينكم رسل .. أي حين ياتيكم قادة النور المصلحين .. من الأنبياء والمرسلين .. تكونون قسمين  .. ولكم الاختيار ..
قسم من اتقي واصلح ..  ومآله لا خوف ولا حزن ..
وقسم من كذب واستكبر .. ومآله النار بالخلود ..

اتقي واصلح .. التصور الإسلامي يمتاز عن باقي التصورات البيضاء الساذجة .. اللامكتملة .. انه لا يدعو إلي تزكية النفس وحسب .. لايدعو إلي تقوي فردية وصلاح أناني .. إنما يستوجب انطلاق من هذا الصلاح نحو الإصلاح .. من التقوي نحو التغيير المجتمعي .. من التشريع الفردي نحو التشريع الأممي .. من السيرة الفردية نحو السيرة الأممية ..

ولا خوف ولا حزن .. فتلك هي مرتكزات الاتقاء البشري .. البشر يبحثون عن رفع الخوف ورفع الحزن .. متطلباتهم الرئيسية الأمان والسعادة  .. نفي الخوف ونفي الحزن  ..
والله يكفلها لأولئك المتقين المصلحين .. ولاشيء في الكون يمنحك تلكما معا .. سوي الارتماء في التصور الإسلامي النوراني والإصلاح من خلال المعسكر الإسلامي الأبيض ..
إلي أولئك الباحثين عن الآمان .. المتلمسين للسعادة ..  لا سبيل لكم سوي التقوي الفردية .. والإصلاح الجمعي ..

كذبوا بآياتنا .. واستكبروا عنها ..  هما طريقين للزيغ والضلال .. طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين ..  لاثالث لهما .. طريق المخدوعين والمخادعين ..  طريق الأعمي .. وطريق من اغلق عينيه أمام النور بكامل أرادته ..
طريق من كذب بالآية لسواد في قلبه .. او لشهوة أعمته .. او لظن عقلي فارغ .. أو سفسطة خاوية من المعني ..
وطريق من رآها .. واستيقنت بها نفسه .. لكنه استكبر عنها .. وتلبس أوشحة الأباليس .. وقال أنا خير ..

وكلاهما كفرعي نهر الظلام (التكذيب والاستكبار ) يجتمعان في المصب النهائي .. النار خالداً ...

يتبع .......

ليست هناك تعليقات: